إنَّ الأمراض النفسية شديدة الشيوع، وقد تكون أكثر انتشارًا من أغلب الأمراض المزمنة مثل السرطان والسكري وأمراض القلب والأوعية. تشير الدراسات إلى أن أكثر من 400 مليون شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية متنوعة، ويحتل الاكتئاب المرتبة الرابعة بين أشيع الأمراض حول العالم. تُظهر هذه الأرقام الكبيرة مدى انتشار الأمراض النفسية وأهمية علاجها.
المحتويات
أنواع العلاجات النفسية
يعالج الأطباء النفسيون الاضطرابات النفسية المختلفة بمجموعة متنوعة من الطرق، ومن أهمها:
- العلاج النفسي (السلوكي والمعرفي).
- الأدوية النفسية.
- علاجات تحفيز الدماغ، مثل العلاج بالتحفيز الكهربائي.
يدرس علم الأدوية النفسية آلية تأثير الأدوية على الدماغ والسلوك، وعلى الرغم من أن البشر كانوا يتناولون عقاقير أو مواد لتغيير شعورهم منذ وقت مبكر من تاريخ البشرية (مثل تناول الفاكهة المخمرة، وأوراق نبات الكوكايين لخصائصها المنشطة)، فإن مصطلح علم الأدوية النفسية هو مصطلح حديث يشير إلى الربط بين فهمنا للسلوك (الدماغ) وعلم العقاقير. تعمل هذه الأدوية من خلال تغيير طريقة تواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض أو تعديل مستويات النواقل العصبية الكيميائية.
تقدر إحصائيات منظمة الصحة النفسية أن واحدًا من كل ستة أشخاص في العالم يتناول أدوية نفسية.
متى يلجأ الأطباء للأدوية النفسية؟
يقوم الطبيب بوصف الأدوية بعد التقييم السريري الكامل، وتحديد الأسباب النفسية الكامنة وراء الأعراض. يأخذ الطبيب بعين الاعتبار المخاطر والفوائد المحتملة للدواء لكل مريض على حدة، ويناقشها مع المريض وأفراد الأسرة.
معظم الاضطرابات النفسية يمكن معالجتها بشكل فعال عن طريق العلاج النفسي، ويمكن للأدوية أن تكون داعمةً لعملية العلاج النفسي، وغالبًا ما يصف الأطباء الأدوية النفسية عند وجود أمراض نفسية غير قابلة للعلاج بالطرق الأخرى، أو عندما يكون المرض النفسي شديدًا أو بسبب عدم حدوث تحسن بالعلاج النفسي لوحده.
يصعب على معظم الناس التركيز على تخفيف الأعراض عندما يكونون في أزمة أو يعانون من القلق أو الاكتئاب أو غير ذلك من الحالات النفسية. في بعض الحالات، يمكن أن تساعد الأدوية في استقرار الحالة النفسية، ما يسمح بالتقدم في العلاج النفسي، وبالتالي لا يعني قرار وصف الأدوية عدم الحاجة إلى العلاج النفسي، إذ أظهرت الأدلة أن الجمع بين الأدوية والعلاج النفسي يؤدي إلى نتائج أفضل.
يوضح الطبيب للمريض أن العلاج يستمر لفترة زمنية محددة، وقد تكون هذه الفترة مرتبطة بالخصائص الدوائية للأدوية المستخدمة أو بالحالة المرضية. من الشائع أن يختلف التزام المريض بالعلاج، لذلك يراقب الطبيب استخدام المريض للأدوية بانتظام، ويسأل عن مقدار الدواء الذي يتناوله. يعتبر وجود الأفكار أو المحاولات الانتحارية السابقة مؤشرًا مهمًا على السلوك الانتحاري المحتمل، وبالتالي يجب الحد من كمية الأدوية الموصوفة.
أهم الأدوية النفسية وآلية عملها
تشمل الأدوية النفسية التي تستخدم بشكل شائع ما يلي:
- مضادات الاكتئاب: تعالج أعراض الاكتئاب، وفي بعض الحالات يمكن وصفها أيضًا للقلق أو الأرق. تشمل الأنواع الشائعة من مضادات الاكتئاب مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة.
- مضادات القلق: يمكن أن تساعد الأدوية المضادة للقلق الأشخاص الذين يعانون من القلق العام أو القلق الاجتماعي أو نوبات الهلع.
- معدلات المزاج: عادةً ما توصف معدلات الحالة المزاجية للأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب واضطرابات المزاج المرتبطة به لتثبيت الحالة المزاجية ومنع التقلبات المزاجية الكبيرة والهوس والاكتئاب.
- مضادات الذهان: توصف مضادات الذهان عادةً لعلاج الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى، وقد توصف أحيانًا للأفراد المصابين باضطراب ثنائي القطب والذين تظهر عليهم أعراض ذهانية (غالبًا أثناء نوبة هوس).
ما مدى فعالية الأدوية النفسية؟
توصف الأدوية النفسية لعلاج مجموعة متنوعة من مشاكل الصحة النفسية. تعمل هذه الأدوية عادةً عن طريق تغيير أو موازنة مواد كيميائية خاصة في الدماغ تسمى النواقل العصبية. تُظهر بعض المشاكل النفسية تحسنًا عند زيادة أو نقص النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين والنورادرينالين. لكن من الصعب التنبؤ بمدى نجاح دواء معين في مساعدة المريض. لذلك غالبًا ما يقترح الأطباء أولًا تناول دواء يعتبر فعالًا وجيد التحمل نسبيًا، وفي حال عدم نجاح الدواء في تحقيق الاستجابة المطلوبة من الممكن التبديل إلى دواء مختلف. في بعض الأحيان يجب تجربة عددٍ من الأدوية المختلفة قبل أن تجد دواءً فعالًا.
تشير الدراسات إلى أن الفائدة تعتمد بشكل عام على شدة المرض النفسي: فكلما زادت شدته، زادت فعالية هذه الأدوية في علاج الأعراض. بمعنى آخر، مضادات الاكتئاب فعالة ضد الاكتئاب المزمن والمتوسط والشديد، ولا تستخدم في علاج حالات الاكتئاب الخفيف.
يمكن أيضًا علاج أعراض الاكتئاب بمزيج من دواءين، ما يؤدي إلى تحسّن ملحوظ. قد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى يبدأ الدواء في المساعدة لدى بعض الأشخاص، حيث عادةً ما تحتاج مضادات الاكتئاب إلى تناولها لمدة 7 أيام تقريبًا (دون تفويت أي جرعة) قبل الشعور بالتحسّن، لذا من المهم عدم التوقف عن تناولها إذا ظهرت بعض الآثار الجانبية الخفيفة في وقت مبكر من تناولها، لأن هذه الآثار عادةً ما تزول بسرعة، وفي بعض الأحيان قد يستغرق الأمر عدة أسابيع حتى يلاحظ الشخص آثار مضادات الاكتئاب، ما يدفع الكثير من المرضى إلى التوقف عن تناول أدويتهم بسبب اعتقادهم أن تناول الأدوية لوقتٍ أطول لن يؤدي إلى إحداث الفرق.
أظهرت مجموعة كبيرة من الدراسات أن مضادات الذهان فعالة للغاية في تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة لدى مرضى الفصام والاضطرابات الذهانية الأخرى، وبالتالي يمكن مقارنة فعالية مضادات الاكتئاب والأدوية النفسية الأخرى بفعالية الأدوية المستخدمة لعلاج الحالات الطبية المختلفة.
من المهم عدم إيقاف تناول الأدوية النفسية دون استشارة الطبيب، بسبب احتمال حدوث الانتكاس أو زيادة الأعراض بشكل حاد، ما يؤدي إلى إعادة وصف الأدوية لفترة أطول خوفًا من الانتكاسات، حيث عادةً ما يتم تناول مضادات الاكتئاب لمدة عامٍ إلى عامين، وأحيانًا قد يصفها الطبيب لفترة أطول لمنع الانتكاسات.