تقع الغدة الدرقية في مقدمة العنق مباشرة أسفل جوزة الحلق (تفاحة آدم)، وتعمل على إنتاج الهرمونات الضرورية جدًا لعمل خلايا الجسم بالصورة الصحيحة. يحدث خلال فرط نشاط الغدة الدرقية زيادة في إنتاج الهرمونات الدرقية أكثر من حاجة الجسم الأساسية مما يسبب أعراضًا مختلفة ومشكلات متنوعة في الجسم، تتطلب التشخيص والعلاج.
المحتويات
وظيفة الغدة الدرقية
تتكون الغدة الدرقية من جزأين أيمن وأيسر، يبلغ حجم الجزء الواحد تقريبًا حجم حبة الخوخ الواحدة، ويقعان على جانبي العنق، ويصل بينهما نسيج يسمى البرزخ الدرقي.
يعد عنصر اليود مهمًا جدًا لإنتاج هرمونات الغدة الدرقية، إذ تنتج الغدة هرمونين اثنين، يسمى الأول الثيروكسين، ويحتوي على أربع ذرات من اليود T4، بينما يسمى الآخر الثيرونين ثلاثي اليود، الذي -كما يشير اسمه- يحتوي على ثلاث ذرات من اليود T3. تؤثر الهرمونات الدرقية في معدل استقلاب الجسم، فتعمل على تنظيم السرعة التي تعمل بها خلايا الجسم، وضبط حرارة الجسم وسرعة دقات القلب.
من جهة أخرى، تخضع الغدة الدرقية للتنظيم من قبل الغدة النخامية، التي تقع في الدماغ في مساحة خاصة بها تسمى السرج التركي. تنظم الغدة النخامية نشاط الغدة الدرقية عبر إفرازها هرمونًا يسمى الهرمون المحرض للغدة الدرقية TSH.
أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية
تتضمن الحالات الطبية التي تسبب فرط نشاط الغدة الدرقية:
- داء غرفيز Grave’s disease: مرض وراثي، يحدث فيه تحسس جهاز المناعة الخاص بالجسم ضد الغدة الدرقية، فيقوم بإنتاج مركبات كيميائية دفاعية تسمى الأجسام المضادة. تقوم الأجسام المضادة بتفعيل خلايا الغدة الدرقية وتحريضها على إنتاج المزيد من هرمونات الدرق بمستويات تفوق حاجة الجسم الطبيعية، ما يسبب فرط نشاط الغدة الدرقية. يشيع داء غريفز عند الإناث أكثر من الذكور، ويعد أشيع أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية، فهو مسؤول عن 85% من حالاتها.
- العقيدات الدرقية: عبارة عن نمو غير طبيعي لخلايا الغدة الدرقية، لتشكل كتلة ورمية غدية حميدة غير سرطانية، تكون مستقلة عن التنظيم النخامي الذي تخضع له الغدة الدرقية، وتقوم بإنتاج هرمونات الغدة الدرقية بإفراط مسببةً فرط نشاط الدرق.
- التهاب الغدة الدرقية: حالة التهابية تصيب الغدة الدرقية، تؤذي الخلايا الغدية فيها مسببة تخربها وتحرر الهرمونات الدرقية المخزنة فيها إلى المجرى الدموي، ما يسبب ارتفاع مستوى هرمونات الدرق وحدوث فرط نشاط الغدة الدرقية. قد يحدث التهاب الغدة الدرقية عند الأم بعد نحو سنة تقربيًا من الولادة، وهذا ما يسمى التهاب الغدة الدرقية التالي للولادة. يمكن أن يكون التهاب الغدة الدرقية مؤلمًا أو غير مؤلم، وقد تعود الغدة بعد الالتهاب إلى نشاطها الطبيعي أو قد تصاب بقصور دائم، وتتوقف عن إنتاج الهرمونات الدرقية.
- الإفراط في تناول اليود: قد يسبب اتباع نمط غذائي غني باليود مثل الإكثار من تناول الطعام البحري، أو تناول الأدوية الحاوية على عنصر اليود مثل دواء الأميودارون المستخدم في علاج اضطرابات النظم القلبية إلى ارتفاع تركيز اليود في مجرى الدم، ومن ثم تستخدم الغدة الدرقية هذا التركيز المرتفع من عنصر اليود لزيادة إنتاج هرمونات الدرق والإصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية.
أعراض فرط نشاط الدرق
يؤثر فرط نشاط الدرق على كامل أعضاء الجسم، وتتضمن أهم الأعراض التي من الممكن أن تحدث:
- الشعور بالخفقان وتسرع دقات القلب.
- الرعاش والإحساس بالتوتر والهياج.
- فقدان الوزن وزيادة الشهية.
- الإسهال والشعور باشتداد الحركات المعوية.
- حدوث تغيرات في الرؤية والبصر.
- يصبح الجلد رقيقًا، ودافئًا، ورطبًا.
- حدوث تغيرات في الدورة الشهرية.
- عدم تحمل الحرارة والتعرق الزائد.
- حدوث اضطرابات في النوم.
- جحوظ العينين، وهو عرض خاص بداء غريفز.
- ضعف العضلات وتساقط الشعر.
ليس بالضرورة أن تحدث جميع هذه الأعراض عند مريض فرط نشاط الدرق، بل تختلف بالظهور والشدة حسب سبب المرض.
التشخيص
يعتمد تشخيص فرط نشاط الغدة الدرقية على الفحص السريري للمريض، بالإضافة إلى مجموعة من الاختبارات الدموية الهرمونية والشعاعية التصورية، وتتضمن:
- الفحص السريري: يهدف الطبيب في الفحص السريري إلى تحري وجود أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية عبر فحص موقع الغدة والبحث عن تضخم فيها، وهل يوجد ألم في موقعها أو لا، بالإضافة إلى قياس عدد دقات القلب، وفحص العينين والرؤية، وأيضًا الجلد وصفاته.
- الاختبارات الدموية الهرمونية: وتهدف إلى قياس تركيز هرمونات الدرق في الدم، إذ يحدث في فرط نشاط الغدة الدرقية ارتفاع تركيز هرمونات الدرق إلى مستويات مرتفعة أعلى من الطبيعي، وانخفاض تركيز الهرمون النخامي المحرض للدرقية TSH.
- التصوير الشعاعي: تهدف هذه الاستقصاءات إلى تصوير الغدة الدرقية وإظهار الصفات المرضية في الغدة، ما يساعد على تأكيد التشخيص المرجح، وتتضمن أهم هذه الاختبارات اختبار تناول اليود المشع، والتصوير بالأمواج فوق الصوتية للغدة (الإيكو).
العلاج
يعد الاستئصال الجراحي للغدة الدرقية العلاج النهائي لأغلب حالات فرط نشاط الغدة الدرقية، مع هذا توجد علاجات أخرى ذات تأثير مؤقت تستخدم قبل اللجوء إلى الحل الجراحي، وتتضمن:
- الأدوية المضادة للدرق: تساعد الأدوية المضادة للدرق على السيطرة على الغدة الدرقية ونشاطها فوق الطبيعي، عبر تثبيط قدرة خلايا الغدة الدرقية على صناعة هرمونات الدرق، ومن ثم تخفيض مستويات الهرمونات في الدم. يكون تأثير هذه الأدوية سريعًا، ويسمح بتخفيض سريع للهرمونات الدرقية في الحالات الإسعافية.
- تناول اليود المشع: يملك اليود المشع تأثيرات مخربة لخلايا الغدة الدرقية مفرطة النشاط، وعندما تقوم الغدة الدرقية بامتصاص اليود المشع من الدم، تتخرب وتتوقف عن إنتاج هرمونات الدرق بصورة دائمة وتصاب بقصور نشاط الدرق، وهنا يجب على المريض تناول هرمونات الدرق فمويًا كل يوم حتى يبقى بصحة جيدة.
- حاصرات بيتا: تثبط حاصرات بيتا تأثير هرمونات الدرق على خلايا الجسم، وتعالج أعراض فرط النشاط مثل الخفقان، والرعاش، والتعرق الزائد. لكنها لا تخفض من مستوى الهرمونات في الدم، ولا تستخدم لوحدها إنما إلى جانب علاج أساسي آخر.
في النهاية، لا يعد فرط نشاط الغدة الدرقية حالة شائعة الانتشار، بالإضافة إلى إمكانية علاجها وتوفر العلاج المناسب لها، الذي يسمح للمريض بالعودة إلى حياته الطبيعية سواء بالعلاج الدوائي أو بعد الجراحة.