تعتبر اللقاحات إحدى الوسائل المهمة للحفاظ على سلامة طفلك وصحته. تحمي اللقاحات الأطفال من مجموعة متنوعة من الأمراض الخطيرة والمميتة، بما في ذلك الدفتيريا والحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وشلل الأطفال والكزاز والإنفلونزا وكوفيد-19 والسعال الديكي. إن لم تسمع بهذه الأمراض أو أنها غير شائعة في مجتمعك، فهذا بفضل اللقاحات. قد تتساءل عن مخاطر لقاحات الطفولة، وربما سمعت بالشائعات التي تدعي أن اللقاحات قد تسبب التوحد، ولهذا السبب، تعرف معنا أكثر عن التوحد وأساس انتشار هذه الادعاءات.
المحتويات
ما هو اضطراب طيف التوحد؟
اضطراب طيف التوحد هو حالة ترتبط بنمو الدماغ، وتؤثر على كيفية إدراك الشخص للآخرين والتواصل معهم، يسبب هذا الاضطراب مشاكل في التفاعل الاجتماعي والتواصل، ويتبع فيه المريض أنماط سلوك محدودة ومتكررة. يشير مصطلح طيف اضطراب التوحد إلى امتلاك المرض مجموعة أعراض متنوعة ومختلفة الشدة بحسب كل حالة.
لقرون عديدة، ربطت مظاهر التوحد في مرحلة الطفولة بالتخلف العقلي وانفصام الشخصية، وفي أحسن الأحوال، وصفت أعراضه على أنها سلوكيات غريبة أو شاذة. في أوائل الثمانينيات، عرف الأطباء التوحد الطفولي على أنه اضطراب نفسي عصبي، وأصبح محور البحث الأساسي والرعاية السريرية والتعليمية والاجتماعية، وليس من المستغرب أن يميل آباء الأطفال المصابين إلى الشعور باليأس والغضب والذنب، ويبحثون عن إجابات لسؤال: «لماذا حدث هذا لطفلي، ولي؟».
غالبًا ما يلام الآباء على محنتهم، كالسلوك غير المبالي أثناء الحمل أو الجينات السيئة أو التقدم في السن عند الحمل. ولهذا، يبدو التفسير الذي يلقي باللوم على عامل خارجي أكثر راحة. كانت اللقاحات، وضمنيًا صناعة الأدوية التي ستستفيد منها، والمتآمرين معهم من المجتمع العلمي والحكومات، هدفًا مثاليًا لغضب الآباء وإحباطهم.
ماذا تعرف عن اللقاحات؟
تستخدم اللقاحات نسخة ميتة أو ضعيفة من الفيروسات أو البكتيريا الضارة، كي تحفز الجهاز المناعي على توليد استجابة مضادة لهذه الأمراض. تساعد هذه اللقاحات الأطفال على تطوير مناعة طبيعية، مع تقليل مخاطر المرض ومضاعفاته بشكل كبير، مقارنةً بالحصول على المناعة بعد الإصابة الفعلية بالمرض.
تكون الآثار الجانبية طفيفة عادةً، كالإحساس بألم في مكان الحقن وتورم الجلد والأنسجة في منطقة أخذ الحقنة والتعب العام والصداع وانخفاض الشهية، وقد يطور البعض حمى منخفضة الدرجة.
كيف ظهرت الشائعات التي تربط التوحد باللقاحات؟
في أواخر التسعينيات، نشر أندرو ويكفيلد، طبيب في مستشفى رويال فري في لندن، مقالًا في مجلة ذا لانسيت، يزعم أنه وجد تفسيرًا للتوحد المرتبط بفيروس الحصبة. في البداية، ذكر ويكفيلد أن فيروس الحصبة كان مسؤولًا عن آفات القولون التي تظهر في مرض كرون، ولكن سرعان ما دحضت هذه الفرضية، عاد ويكفيلد من جديد واقترح أن أعراض التوحد ظهرت على بعض الأطفال بعد فترة وجيزة من تلقيهم اللقاح الثلاثي، واعتمادًا على اعتقاده السابق، افترض ويكفيلد أن فيروس الحصبة قد تتسبب في حدوث آفات التهابية في القولون، ما أدى إلى تعطيل نفاذية القولون وعبور البروتينات السامة إلى مجرى الدم والدماغ، ليسبب بذلك التوحد. تابع ويكفيلد بحثه، وأجرى تنظير قولون لثمانية أطفال مصابين بالتوحد، وخرج مدعيًا أنهم جميعًا يعانون من الآفات المفترضة، ما دفعه إلى تأكيد افتراضه، بأن لقاح الحصبة يسبب التوحد.
سرعان ما تبع ملاحظات ويكفيلد تقارير عن وجود فيروس الحصبة في الخزعات المعوية وعينات الدم والسائل الدماغي الشوكي المأخوذة من الأطفال المصابين بالتوحد. مع تفسير علمي بسيط وجذاب، تجمع السياسيون وقادة المنظمات القوية حول ويكفيلد. عقد دان بيرتون، وهو عضو كونغرس أمريكي مؤيد قوي للعلاقة بين اللقاحات والتوحد، جلسة استماع حول هذا الموضوع، وحضرتها منظمات دعم التوحد ورحبت بها. وجدت الصحافة القصة المثالية: الضحايا (الأطفال والآباء)، والشرير (صناعة الأدوية التي تستفيد من اللقاح)، والمتآمرون (العلماء يساعدون الحكومة على إخفاء الحقيقة عن الجمهور).
في عام 2005، تنبه الباحثون لوجود عيوب في دراسة ويكفيلد وأخطاء جسيمة في سلوكه البحثي. بعد التحقيق في الأمر، تراجعت ذا لانسيت عن المقال، واتخذت الجمعية الطبية البريطانية إجراءات تأديبية ضد ويكفيلد. منذ تقرير ويكفيلد، لم تلاحظ الدراسات التي تبحث في وبائيات التوحد والتأثيرات البيولوجية للقاحات أي ارتباط مباشر بين التوحد ولقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية. مع ذلك، اختار الكثير من الآباء عدم تطعيم أبنائهم بلقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، ولكن معدلات التوحد كانت في ارتفاع. بشكل عام، لم يجد الباحثون هذه الفيروسات في السوائل البيولوجية أو الأنسجة المأخوذة من الأطفال المصابين بالتوحد بمعدلات أعلى من الأطفال غير المصابين بالتوحد.
بالنسبة لجميع الأطفال تقريبًا، تعتبر فوائد اللقاح أكبر بكثير من الآثار الجانبية المحتملة. غالبًا ما تكون المضاعفات الناجمة عن الأمراض التي يتم تطعيم الأطفال ضدها أكثر حدة بكثير، ما يؤدي أحيانًا إلى مضاعفات مدى الحياة ودخول المستشفى والوفاة. إضافةً لذلك، يؤدي عدم تطعيم أطفالك إلى إلحاق الضرر بالأشخاص والأطفال الآخرين من حولهم. عند التفكير في صحة طفلك وسلامته، تذكر أن تأخذ في الاعتبار أهمية وضرورة اللقاحات المناسبة للأطفال. عند قيامك بذلك، فأنت لا تحمي طفلك فحسب، بل تحمي مجتمعك أيضًا.