قد تراود مريض السرطان الكثير من الأفكار والشكوك التي تتعلق بحياته ومرضه، خاصة الشائعات والخرافات التي لا أساس لها من الصحة، ومن أبرز تلك الأفكار أن الجراحة تزيد خطر انتشار السرطان إلى الأعضاء الأخرى، أو أن الخزعة تساعد في نشر الورم، ما يزيد من مخاوف المريض من إجراء الخزعة لمعرفة نوع السرطان أو إجراء جراحة لإزالته كليًا.
سنناقش في هذا المقال آلية انتشار السرطان وهل تسبب الجراحة ذلك حقًا، وكيف يمكننا تقليل مخاطر انتشار الورم.
المحتويات
التقنيات الجديدة ودورها في تقليل خطر انتشار السرطان
ربما سمعت أن الجراحة يمكن أن تسبب انتشار السرطان، لكن الحقيقة أنه من النادر جدًا أن يحدث ذلك، فالتقدم العلمي الذي شهده الطب في العقود المنصرمة ساعد في تقليل هذه المخاطر بصورة كبيرة بفضل المعدات والتقنيات المُستخدمة أثناء الجراحة واختبارات التصوير الأكثر دقة، ومع ذلك هناك بعض المواقف المهمة التي يمكن أن يحدث فيها انتشار للسرطان. إنّ الأطباء ذوو الخبرة الكبيرة في علاج السرطان حريصون جدًا على تجنب هذه المواقف.
هل تساهم الخزعة في انتشار السرطان لأعضاء أخرى من الجسم؟
في الماضي، استخدمت إبرٌ كبيرة لأخذ جزء من الورم (خزعة) لفحصها تحت المجهر في المختبر، ولذلك كانت فرصة الانتشار من الخزعة أعلى، أما الآن تُستخدم إبرٌ صغيرة جدًا لإزالة قطعة من النسيج، لذلك تكون فرص انتشار الورم بسبب الخزعة منخفضة للغاية، ومع ذلك فإن بعض أورام الكبد والكلى وأورام أخرى لديها احتمال ضئيل للغاية لحدوث ذلك أثناء إجراء الخزعة.
يمكن أخذ عينات من معظم أنواع السرطانات بأمان من خلال ما يُسمى «الخزعة المقطعية»، إذ يقطع الجراح الجلد لإزالة جزء صغير من الورم. لكن هناك بعض الاستثناءات، مثل أورام معينة في العين أو الخصيتين. قد يعالج الأطباء هذه الأنواع من السرطانات أولًا، دون أخذ خزعة، أو قد يوصون بإزالة (استئصال) الورم بأكمله إن كان من المحتمل أن يكون سرطانًا. في بعض الأحيان، يمكن استخدام الإبرة لأخذ الخزعة بأمان، وإن تبيَّن أن الورم خبيث (سرطان)، يُزال الورم بأكمله.
لا يمكن استخدام الإبر لأخذ خزعة من بعض الأورام. في هذه الحالات، قد يلزم استئصال الورم جزئيًا أو كليًا. هناك أنواع قليلة من الأورام ذات مخاطر منخفضة لانتشار السرطان من إجراء الاستئصال، مثل أورام الغدة الدرقية والمرارة وبعض أنواع الساركوما، ومع ذلك، نادرًا ما يحدث انتشار بسبب التقدم التقني في معدات الجراحة والتصوير.
هل ينتشر السرطان عند تعرضه للهواء؟
من الأساطير الشائعة عن السرطان أنه ينتشر إن تعرَّض الورم للهواء أثناء الجراحة. من المحتمل أن تكون هذه الخرافة ضارة للأشخاص لأنها قد تسمح للسرطان بأن يصبح أكثر تقدمًا قبل أن يفكروا بالبدء بالعلاج. نشأت هذه الخرافة من عدة عقود، قبل تطوير أجهزة المسح الأكثر تعقيدًا المُستخدمة الآن لقياس أبعاد السرطانات بدقة قبل الخزعة أو الإجراءات الجراحية. في ذلك الوقت لم تكن لدينا طريقة جيدة للنظر داخل جسم المريض ومعرفة مدى تقدم السرطان.
قد يعتقد البعض ذلك لأنهم غالبًا ما يشعرون بسوء بعد الجراحة عمّا كانوا عليه من قبل. لكن من الطبيعي أن تشعر ببعض السوء عند التعافي من أي عملية جراحية. سبب آخر لاعتقاد الناس بذلك، هو أنه أثناء الجراحة قد يجد الطبيب سرطانًا أكبر ممّا كان متوقعًا بالأشعة السينية. يمكن أن يحدث ذلك، لكن ليس بسبب الجراحة، لأن السرطان كان موجودًا بالفعل، لكنه لم يظهر في الصور التي أُخذت قبل العملية. وفي الحقيقة توثّق الجراحة مدى انتشاره بالفعل. سمح لنا ظهور التصوير المقطعي المحوسب CT في أواخر السبعينيات والتصوير بالرنين المغناطيسي MRI في أوائل الثمانينات بمعرفة مدى تقدم السرطان قبل الجراحة. لا ينتشر السرطان بسبب تعرّضه للهواء. إن أجّلت الجراحة أو رفضت القيام بها بسبب هذه الخرافة، قد تؤذي نفسك بعدم الحصول على علاج فعال في التوقيت المناسب.
الجراحة هي العلاج الرئيسي للسرطان
من جهة أخرى، لطالما كانت الجراحة هي العلاج الأساسي والأول لسرطانات الثدي (والعديد من السرطانات الأخرى). يزيد إخراج الورم من الجسم من فرص نجاح العلاج الكيميائي أو الهرموني أو المناعي، ويمكن للعلاج الشعاعي أن يقضي على جميع الخلايا السرطانية المتبقية. قبل أن تُستخدم الجراحة بصورة روتينية في رعاية مرضى السرطان، لقي كل شخص مصاب بالسرطان حتفه بكل تأكيد للأسف.
إن فرصة تسبب الجراحة بانتشار السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم منخفضة للغاية. يستخدم الجراحون طرقًا خاصة ويتخذون العديد من الخطوات لمنع الخلايا السرطانية من الانتشار أثناء الخزعات أو الجراحة لإزالة الأورام. على سبيل المثال، إذا كان لا بد من إزالة الأنسجة من أكثر من منطقة واحدة من الجسم، فإنهم يستخدمون أدوات جراحية مختلفة لكل منطقة.
وجدت دراسة نُشرت في مجلة Social Science & Medicine عام 2011 -تمت على عينة من المجتمع الأمريكي تفتقر للخدمات الصحية لمعرفة مدى انتشار وتأثير خرافة «الجراحة أو الخزعة أو تعريض السرطان للهواء يمكن أن تسبب انتشار السرطان» على قرار العلاج- أن جميع الأفراد سمعوا بتلك الخرافات، وأثرت معتقداتهم على استيعاب علاج السرطان، ما عزز القلق باتخاذ قرارهم بشأن إجراء عملية جراحية، وعندما يتم تبني تلك الأفكار بقوة، يمكن أن تؤثر سلبًا على قرارات المرضى أو أفراد الأسرة في طلب الرعاية الجراحية، ما يرفع احتمالية التأخر بالعلاج وانتشاره.