الفصام: أسبابه، أعراضه، علاجه

ما يزال السبب الدقيق للفصام مجهولًا حتى الآن، لكن الدراسات تقترح وجود عوامل جسدية وجينية ونفسية وبيئية تزيد احتمال الإصابة بالمرض.

ينتمي الفصام إلى الاضطرابات النفسية المزمنة التي تؤثر على التفكير والمشاعر والحالة المزاجية، وقد يفقد المصابون به صلتهم بالواقع تدريجيًا، ويخلطون بين الواقع والخيال، ويعانون من طيف واسع من الأعراض التي تسبب العجز وتؤثر في نوعية حياة المريض وعائلته. تتوفر حاليًا أدوية فعالة لعلاج هذا الاضطراب، تساعد المريض على الاندماج في المجتمع والعودة للدراسة والعمل والاعتماد على النفس واستعادة العلاقات الشخصية.

ما هو الفصام؟

تُعرِّف منظمة الصحة العالمية الفصام على أنه أحد أنواع «الذُهان»، وهو مصطلح يشير إلى اضطراب عقلي يؤثر على آليات التفكير والعواطف واللغة وإدراك الذات والسلوك الشخصي. يصيب هذا الاضطراب نحو 20 مليون شخص حول العالم، ويزداد خطر الوفاة لدى المصابين إلى 2-3 مرات مقارنةً بعموم السكان نتيجة الأمراض الجسدية مثل الأمراض القلبية الوعائية والاضطرابات الاستقلابية والعدوى. يشيع الإحساس بالعار والتمييز واضطهاد الحقوق بين المرضى، ويعانون من مجموعة واسعة من الأعراض الذهانية والمعرفية.

يُشخص المرض عادةً بين أواخر فترة المراهقة وبداية الثلاثينيات، ويميل للظهور باكرًا لدى الذكور على عكس الإناث. يتوصل الأطباء للتشخيص عادةً بعد حدوث النوبات الأولى، إذ تكون الأعراض التي تظهر عند المريض مشيرةً بشكل واضح للفصام. تبدأ التغيرات التدريجية في التفكير والمزاج وضعف الأداء الاجتماعي قبل ظهور النوبات الذهانية عادةً.

أسباب الفصام والعوامل المؤهبة له

ما يزال السبب الدقيق للفصام مجهولًا حتى الآن، لكن الدراسات تقترح وجود عوامل جسدية وجينية ونفسية وبيئية تزيد احتمال الإصابة بالمرض. قد يكون بعض الناس عرضةً للإصابة بالفصام بعد مرورهم بمواقف عاطفية أو صدمات تحرض حدوث النوبات، لكن لم يتضح بعد لماذا يتطور الفصام عند بعضهم على عكس الآخرين. هناك عدة عوامل تزيد من خطورة الإصابة بالفصام، ومن أهمها:

العوامل الجينية:

يميل الفصام إلى الانتشار بين أفراد عائلات محددة، لكن لم يُحدد وجود أي جين مسؤول عن توريثه، ومن الأرجح أن هذا ينتج عن الاشتراك بين جينات متعددة، لكن وجودها لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض. أثبتت الدراسات على التوائم الحقيقية (التي تملك جينات متطابقة) أن هذا المرض يورث جزئيًا، فإذا أصيب أحد التوأمين بالفصام ترتفع نسبة إصابة شقيقه إلى 50% حتى مع اختلاف العوامل البيئية.

العوامل البيئية:

يعتقد العلماء أن التداخل بين العوامل الجينية والبيئية قد يلعب دورًا في تطور الفصام. تشمل هذه العوامل الظروف الاقتصادية الصعبة والتعرض للفيروسات ونقص التغذية في مرحلة الطفولة.

خلل في بنية الدماغ أو تطوره:

أظهرت الدراسات على المصابين بالفصام أن هناك اختلافات بسيطة في بنية الدماغ تميزهم عن غير المصابين، لكنها لا توجد في جميع المرضى، وقد تُكتشف في حالات قليلة عند بعض الأشخاص الأصحاء. تقترح الدراسات السابقة أن الفصام قد يكون اضطرابًا دماغيًا بشكل جزئي.

خلل في الهرمونات والنواقل العصبية:

إنَّ النواقل العصبية هي مواد كيميائية تساهم في نقل الإشارات العصبية بين الخلايا الدماغية. اكتشف الباحثون الصلة بين هذه النواقل وبين الفصام نتيجة تأثير الأدوية التي تغير مستويات النواقل العصبية في الدماغ لأنها تزيل بعض أعراض الفصام. تقترح الأبحاث أن الفصام قد ينتج عن تغيرٍ في مستوى ناقلين عصبيين أساسيين هما: الدوبامين والسيروتونين. تشير بعض الدراسات إلى أن عدم التوازن بين هذين الناقلين قد يمثل أساسًا بيولوجيًا للمرض، بينما أظهرت دراسات أخرى أن تغير حساسية الجسم للنواقل العصبية قد يكون العامل المسبب للفصام.

عوامل محرضة للمرض:

تمثل أحداث الحياة الصادمة المحرض الأساسي للفصام، ومنها خسارة العمل أو المنزل والطلاق ونهاية العلاقات الاجتماعية والعاطفية والاضطهاد الجسدي. لا تسبب هذه الحوادث بحد ذاتها حدوث المرض، لكنها تحرض ظهوره عند المؤهبين للإصابة.

أعراض وعلامات الفصام

يمكن تصنيف أعراض الفصام إلى ثلاثة فئات رئيسية: الأعراض الإيجابية والأعراض السلبية والأعراض المعرفية.

الأعراض الإيجابية (الذهانية):

تشمل هذه الأعراض تغيرًا في الإحساس (تبدلات في الرؤية والسمع والشم واللمس والذوق) واضطرابًا في التفكير والتصرفات. قد يفتقر المصابون إلى الإدراك المشترك للواقع، ويرون أنفسهم والعالم بصورة ضبابية. تشمل هذه الأعراض:

  • هلوسات: مثل سماع أصوات أو رؤية أشياء غير موجودة.
  • التوهمات: وهي اعتقادات راسخة لا يدعمها دليل حقيقي (مثل الخوف غير المنطقي من سعي الآخرين للقبض عليك، أو أن وسائل الإعلام مثل التلفاز والراديو يرسلون إليك إشارات خاصة عليك الاستجابة لها).
  • اضطرابات التفكير: التي تشمل الأفكار الغريبة والكلام غير المنظم.

الأعراض السلبية:

تشمل هذه الفئة من الأعراض خسارة الحافز، وفقدان الاهتمام بنشاطات الحياة اليومية وعدم الاستمتاع بها، والانسحاب من المجتمع، وصعوبة إظهار العواطف، وخلل الأداء، ونقص الإنتاجية.

يعاني المصابون بالمرض عادةً مما يلي:

  • نقص الحافز وصعوبة التخطيط والبدء بالنشاطات أو الاستمرار بها.
  • نقص الشعور بالسعادة خلال أحداث الحياة اليومية.
  • نقص التعابير العاطفية الظاهرة على الوجه أو في طبقة الصوت.
  • قلة الكلام والعزلة الاجتماعية.

الأعراض المعرفية:

يعاني مرضى الفصام عادةً من خلل في الانتباه وضعف التركيز والذاكرة. تكون الأعراض المعرفية خفيفةً عند البعض، بينما تؤثر على النشاطات اليومية بشدة عند آخرين، مثل المحادثة وتعلم المهارات وتذكر المواعيد. من أهم أعراض هذه الفئة:

  • صعوبة معالجة المعلومات واتخاذ القرارات.
  • صعوبة استخدام المعلومات بعد تعلمها مباشرةً.
  • اضطراب التركيز وضعف الانتباه.

علاج الفصام وتدبير أعراضه المتنوعة

يُعد الفصام مرضًا قابلًا للعلاج باستخدام الأدوية والدعم النفسي الاجتماعي، لكن أغلب المرضى لا يقدرون على تأمين العلاج ولا يلتزمون به. أظهرت الدراسات أن مراكز الأمراض النفسية التقليدية قد لا تفيد في علاج المرضى ذوي الاضطرابات العقلية الشديدة. تتوجه الجهود حاليًا إلى نقل الرعاية الصحية من المؤسسات المختصة إلى المجتمع، وبذلك تشترك العائلة والمجتمع بتقديم الدعم الذي يشكل علامة فارقة في فعالية العلاج.

يُعد الفصام اضطرابًا مُعقدًا متعدد الأسباب لم تُفهم آليته بشكل كامل، لذا تركز المعالجات الحالية على تدبير الأعراض والمشكلات المتعلقة بالحياة اليومية. تشمل الأدوية والطرق العلاجية المستخدمة ما يلي:

مضادات الذهان:

تساعد هذه الأدوية على تخفيف شدة الأعراض وتكرارها، وتؤخذ يوميًا على شكل حبوب أو أشكال صيدلانية سائلة، وبعضها يُعطى حقنًا مرةً أو مرتين شهريًا، وهذه الطريقة تساعد على الالتزام بالعلاج ويفضلها بعض المرضى على الحبوب الفموية. يعاني العديد من المرضى المعالجين بمضادات الذهان من زيادة الوزن وجفاف الفم والأرق عند بدء العلاج، تزول بعضها مع الزمن وقد تستمر أعراض أخرى لفترة أطول.

العلاج النفسي الاجتماعي:

تشمل طرق العلاج النفسي الاجتماعي كلًا من العلاج السلوكي والتدريب على المهارات السلوكية والمعالجات الإدراكية وغيرها، وهي تساعد على تخفيف الأعراض السلبية والمعرفية للفصام. غالبًا ما تُستخدم هذه الطرق بالمشاركة مع الأدوية المضادة للذهان. ينقص الالتزام بالمعالجات النفسية الاجتماعية من نكس المرض والحاجة إلى دخول المستشفى، ويساعد على التعامل مع تحديات الحياة اليومية مثل تحديد الأهداف والاستمرار في الدراسة والعمل وتطوير العلاقات.

الدعم العائلي والاجتماعي:

يساعد توجيه أفراد العائلة للطرق الأمثل للتعامل مع مريض الفصام وتوعيتهم بأعراضه على تحسين حياته الاجتماعية واستجابته العلاجية. يمثل تعاون العائلة والمجتمع المحيط ناحية مهمةً من العلاج، إذ يضمن هذا حصولهم على حقوقهم الإنسانية وتجنب الاضطهاد والشعور بالعار، ما ينعكس على نوعية حياتهم وقدرتهم على التأقلم مع المحيط وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

إن اضطراب الفصام مرض مزمن يلازم المريض طوال حياته، ويمثل علاجه تحديًا كبيرًا في الطب النفسي رغم التقدم الكبير في طرق تدبيره والتحسن الملحوظ في أساليب المعالجة. علينا أن نتذكر دومًا أن معتقدات المريض تشكل ثوابت حقيقية له مهما كانت خيالية في الواقع، لذا من الواجب التعامل باحترام معه وتقديم الدعم اللازم مع تجنب السلوكيات الخطيرة، وتوفير بيئة مناسبة للعلاج تضمن للمريض حقوقه الأساسية وتساعده على التحسن والمضي في حياته.

Loading spinner
Share your love