يستخدم مصطلح الدواء النفسي للإشارة إلى أي دواء يمكن أن يؤثر على السلوك والمزاج والأفكار والإدراك. تشمل الأدوية النفسية قائمة واسعة من الأصناف الدوائية المختلفة، من بينها الأدوية التي لا تُصرف دون وصفة طبية، والأدوية التي يمكن أن يساء استخدامها بشكل شائع.
تؤثر الصحة النفسية على حياتنا اليومية وتستطيع الأدوية النفسية أن تكون إحدى الأدوات الهامة لتعزيز الصحة النفسية ودعمها والتغلب على الاضطرابات والمشاكل النفسية المتنوعة. تستخدم الأدوية النفسية لعلاج حالات القلق والاكتئاب وانفصام الشخصية والاضطراب ثنائي القطب واضطرابات النوم وغيرها من المشاكل النفسية، ومن أهم الأسئلة التي تطرح في هذا السياق، هل تسبب الأدوية النفسية الإدمان؟ وكيف يمكن التعامل مع تأثيراتها الجانبية المتنوعة؟ يبدو أن الأدوية النفسية لا تسبب الإدمان بنفس الطريقة التي تسببها المواد الأخرى مثل الكحول والمخدرات، لأن الذين يُعالجون بهذه الأدوية لا يعانون من رغبة شديدة بتناول الدواء، ولا يتعرضون للنشوة أو السلوكيات الأخرى التي يسببها الإدمان التقليدي.
المحتويات
كيف تعمل الأدوية النفسية؟ وما هي أصنافها؟
تعمل الأدوية النفسية عبر تغيير وتعديل النواقل العصبية أو مستويات المواد الكيميائية في الدماغ (مثل الدوبامين وغاما أمينوبوتيرك أسيد GABA والنورابينفرين والسيروتونين) لتحسين الأعراض أو إزالتها كليًا.
توجد خمسة أصناف رئيسية للأدوية النفسية المُصرح باستخدامها:
- العوامل المضادة للقلق.
- مضادات الاكتئاب ولها العديد من الأنواع مثل: مثبطات إعادة التقاط السيروتونين الانتقائية، مثبطات إعادة التقاط السيرتونين والنورابنفرين، مثبطات مونو أمين أوكسيداز، مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة.
- مضادات الذهان، وتقسم إلى نموذجية وغير نموذجية.
- معدلات المزاج.
- المنشطات.
يعمل كل صنف بشكل مختلف عن الآخر ولكن يوجد بعض التشابهات في آلية التأثير، يقوم الطبيب بوصف صنف ما بالاعتماد على أعراض المريض وعمره والأدوية الأخرى التي يتناولها، تحتاج بعض الأدوية النفسية للاستخدام لعدة أسابيع حتى تظهر فوائدها، ويمكن لبعض هذه الأدوية أن تسبب آثارًا جانبية خطيرة كما يتطلب بعضها مراقبة مستمرة من قبل الطبيب المختص.
الاستخدامات الشائعة للأدوية النفسية
رغم التشابه في آلية تأثير العديد من الأدوية النفسية، لكن لكل منها استخدام سريري يختلف عن الآخر:
- مضادات القلق: تعالج هذه الأدوية مختلف أنواع اضطرابات القلق، والتي تشمل الرهاب الاجتماعي المرتبط بالتحدث أمام الناس، كما تستطيع علاج اضطرابات النوم ونوبات الهلع والتوتر.
- مثبطات إعادة التقاط السيروتونين والنورابينفرين SNRIs: تعالج هذه الأدوية الاكتئاب بفعالية، ويعتقد أنها تحسن الأعراض بشكل أفضل من مضادات الاكتئاب الأخرى.
- مثبطات مونو أمينو أوكسيداز MAOI: تحسن أعراض الاكتئاب، ولكنها تستخدم عادةً كعلاج مساعد مع أنواع أخرى من الأدوية.
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة: أقدم أصناف مضادات الاكتئاب، وتستعمل حاليًا كخط علاج أخير، لأن تأثيراتها الجانبية أكبر من بقية الأصناف.
- مضادات الذهان: تستخدم مضادات الذهان النموذجية لعلاج الأعراض المرتبطة بانفصام الشخصية، بالإضافة لعلاج حالات أخرى، أما مضادات الذهان غير النموذجية فتستخدم لعلاج الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب ومتلازمة توريت.
- مُعدلات المزاج: تحسن هذه الأدوية من تقلبات المزاج عند مرضى الاضطراب ثنائي القطب والحالات النفسية المشابهة.
- المنشطات: تستخدم هذه الأدوية بشكل خاص لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط ADHD.
ما هي مخاطر الأدوية النفسية وتأثيراتها الجانبية؟
لكل نوع من أنواع الأدوية النفسية مخاطر وتأثيرات جانبية خاصة، فيمكن لمضادات القلق أن تسبب العديد من التأثيرات الجانبية مثل: دوار، نعاس، تخليط ذهني، انخفاض ضغط الدم وفقدان التوازن، مشاكل في الذاكرة، وقد تسبب هذه الأدوية حالة من التعود على المدى الطويل لذلك لا ينصح باستخدامها أكثر من عدة أسابيع. أما الآثار الجانبية لمثبطات إعادة التقاط السيروتونين والنورابينفرين فتشمل: الصداع، الدوار، جفاف الفم، الغثيان، اضطرابات في النوم والأكل وارتفاع الضغط الشرياني وتسرع القلب.
تشمل مخاطر مثبطات مونو أمينو أوكسيداز: الغثيان والإقياء، الدوار، الإسهال، جفاف الفم، زيادة الوزن، ويمكن أن تسبب هذه الأدوية عند تناولها مع أطعمة غنية بالتيرامين Tyramine مثل الجبن والمخلل ارتفاعًا في الضغط الشرياني لمستويات خطيرة. لقد تناقص استخدام مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة في السنوات الأخيرة بسبب تأثيراتها الجانبية الشديدة والتي تشمل: جفاف الفم، دوار شديد، نعاس وتعب عام، غثيان وإقياء، زيادة الوزن وزيادة سكر الدم. ولمضادات الذهان النموذجية وغير النموذجية العديد من التأثيرات الجانبية، من أهمها: تشوش الرؤية، غثيان وإقياء وإمساك، اضطرابات النوم، قلق، نعاس، زيادة الوزن، ضعف جنسي، اضطرابات حركية، تشوش رؤية، ارتفاع مستويات الكوليسترول، حركات غير إرادية وتشنجات، وتزيد من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية والأمراض القلبية والوعائية.
يبدو أن مخاطر معدلات المزاج قليلة نسبيًا، وتشمل: الدوار، غثيان وإقياء، تعب ووهن عام، بالإضافة لآلام هضمية وهيكلية. أما التأثيرات الجانبية للمنشطات فتشمل: الاعتماد الدوائي، اضطرابات النوم، نقص الشهية، خسارة الوزن، ارتفاع ضغط الدم.
هل تسبب الأدوية النفسية الإدمان؟
تستخدم الأدوية النفسية بأصنافها المختلفة لعلاج الاضطرابات النفسية، ولكل صنف استخداماته وفوائده وآثاره الجانبية، ومن أهم الأسئلة التي تطرح هنا، هل تسبب الأدوية النفسية الإدمان؟ يبدو هذا السؤال مبررًا كون أغلب الأدوية النفسية تعمل من خلال التأثير على مستويات بعض المواد الكيميائية في الدماغ، ولكن على الرغم من تأثيرها على الدماغ إلا أن أغلب الأدوية النفسية باستثناء بعض مضادات القلق والمنشطات والمنومات لا تسبب الإدمان.
تًحدد السلوكيات والتصرفات التي تشير إلى حالة الإدمان بأنها رغبة أو حاجة ملحة لتناول الدواء، مع ضعف القدرة على التحكم بالسلوك لتلبية الاحتياجات الناتجة عن الإدمان. لا تسبب الأدوية النفسية (الاعتماد الجسدي) ويقصد بذلك الاستمرار بزيادة الجرعة للحصول على النتيجة نفسها، كما لا تسبب هذه الأدوية أي رغبات مرتبطة أو تشير إلى حالة إدمان حقيقي.
قد يعاني بعض المرضى من أعراض مؤقتة عند التوقف عن تناول بعض الأدوية النفسية لفترة قصيرة، وتدعى هذه الأعراض بأعراض السحب أو متلازمة الانقطاع وتشمل: الدوار أو الدوخة، صداع، نعس وكسل، تعرق، غثيان وإقياء، أرق، قلق أو ضجر، اضطرابات المزاج.
تميل الأعراض السابقة للظهور خلال الأيام الأولى بعد التوقف عن تناول الدواء أو خفض جرعته وتبدأ بالتلاشي والاختفاء تدريجيًا خلال أيام أو أسبوع.
كيف يمكن تقليل مخاطر الأدوية النفسية؟
لا بد من أخذ الحذر والحيطة عند تناول الأدوية النفسية، لأن ذلك يمكن أن يساعد على الوقاية من آثارها الجانبية واختلاطاتها، ومن المهم استخدام وسائل الحماية في حالة قيادة السيارة أو العمل على آلات خطرة إذا كانت الأدوية النفسية التي تتناولها تسبب التعب أو النعاس، ويجب على جميع الحوامل والمرضعات أو اللواتي يرغبن بالحمل التواصل مع طبيبهن لمعرفة اختلاطات الأدوية المحتملة وتأثيراتها على الحمل. مع التأكيد على عدم التوقف عن تناول الأدوية بشكل مفاجئ أو تخفيض جرعتها دون استشارة الطبيب المختص.
إن الأدوية النفسية علاجات فعالة للاضطرابات النفسية المختلفة، وتناولها وفق توصيات الطبيب وبجرعات وأوقات محددة يحقق أفضل استفادة منها ويقلل تأثيراتها الجانبية للحد الأدنى.