الطب الوقائي: تعريفه، فوائده، فروعه

ما هو الطب الوقائي؟ وما فوائده؟

إن الاهتمام بالصحة لا يقتصر فقط على تشخيص الأمراض وعلاجها، لأن الوقاية من هذه الأمراض والكشف المبكر عنها يقدم فوائد كبيرة، ويجعل العلاج أسهل وأكثر فعالية، ويخفض تكاليف العلاج للحد الأدنى. إن أغلب الأمراض تأخذ سيرًا طويل الأمد، والعديد من هذه الأمراض المنتشرة في المجتمع لا تظهر أعراضها بشكل واضح إلا بعد أن تكون قد تفاقمت على مدى سنوات، ومن هنا تأتي أهمية الطب الوقائي في السيطرة على عوامل الخطر لكل الأمراض والحد من تطورها بل وكشفها قبل أن تصل إلى مراحل لا يمكن بعدها للتدابير الطبية المختلفة أن تعالجها، من باب الحكمة المعروفة “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.

الطب الوقائي هو اختصاص طبي يهدف للسيطرة على المرض أو منع حدوثه عند الأفراد أو المجتمع ككل، بدلًا من الاستجابة له عند حدوثه. وفقًا لبعض الدراسات الإحصائية فإن الأمراض المزمنة تتربع على عرش الأسباب المؤدية للعجز والوفيات في العالم، مثل أمراض القلب والسرطان وداء السكري، ويُقدر أن 60% من البالغين في العالم يعانون على الأقل من مرض مزمن واحد، وغالبًا ما يكون لهذه الأمراض المزمنة أثر شديد على صحة الإنسان.

أقسام الطب الوقائي

يمكن تقسيم الوقاية التي يحققها الطب الوقائي إلى ثلاث مستويات:

  1. الوقاية الأولية: تعني الوقاية الأولية العناية بالصحة قبل حدوث الحالة المرضية، وهناك العديد من الخيارات المتاحة في هذا الشأن، على سبيل المثال: اللقاحات، وسائل الوقاية من الحوادث، الرياضة والغذاء الصحي. تعتبر العناية بالأسنان من الوقاية الأولية أيضًا، فعلى سبيل المثال: تنظيف الأسنان عند طبيب الأسنان يهدف بالأساس إلى الوقاية من تسوس الأسنان وأمراض اللثة، عملًا بمبدأ أن الابتسامة الجميلة هي أيضًا جزء من الجسم الصحي.
  2. الوقاية الثانوية: تحدث بعد ظهور المرض بالفعل، ومن العوامل المهمة في مجال الوقاية الثانوية هو أن يتم تشخيص المرض بأبكر وقت ممكن، ما يعطينا أفضل فرصة ممكنة للعلاج، ويقلل من الفترة اللازمة لعودة المريض إلى نشاطه الطبيعي. يهدف هذا النوع من الوقاية أيضًا إلى إيقاف تطور المرض أو إبطائه قدر المستطاع، وأحد أفضل الأمثلة على الوقاية الثانوية هي فحوص الكشف المبكر للسرطانات، ومسح المواليد الجدد بحثًا عن أمراض محددة.
  3. الوقاية من المستوى الثالث: يمكن فهم هذا النوع من الوقاية بتحديد الأذية الحاصلة، وهي تهدف أيضًا إلى منع تطور المرض وتجنب مضاعفات وعواقب الأذية الحاصلة، وتلعب دورًا مهمًا بشكل خاص عند المصابين بالأمراض المزمنة، وتقوم بمساعدتهم على الوصول إلى الشعور بالارتياح بغض النظر عن المرض الذي أُصيبوا به. ويتضمن الطب الوقائي في هذه المرحلة مراكز إعادة التأهيل وبعض العلاجات التي تعزز تعافي المرضى وتسهل عليهم العودة إلى حياتهم اليومية.

فوائد وميزات الطب الوقائي

تحقق المستويات الثلاثة السابقة من الوقاية العديد من الإيجابيات والفوائد للمرضى والمجتمع ككل، ومن أهمها:

حياة صحية خالية من الأمراض:

بما أن الحياة الصحية الطويلة هي مطلب الجميع، لذلك يركز الطب الوقائي على دراسة العادات اليومية والغذائية وأثرها على النشاط البدني والذهني وأهميتها في الوقاية من مختلف الأمراض، بالإضافة لتركيزه على الفحوصات الدورية للتحقق من المستويات الطبيعية للمواد الكيميائية الحيوية والتي تستطيع إعطاء لمحة عن الحالة الصحية العامة للفرد، بالإضافة إلى فحوصات إضافية لاكتشاف بعض الأمراض (مثل: السرطان، داء السكري) في مراحلها الباكرة.

خفض التكاليف:

يستطيع الطب الوقائي وتطبيقاته المختلفة أن يخفض التكاليف العلاجية بطريقتين:

  • الأولى: خفض تكاليف علاج الأمراض على المدى الطويل من خلال الكشف المبكر عنها، لأن التأخر في التشخيص وتطبيق العلاج يؤدي إلى الحاجة لاستخدام علاجات أصعب وأكثر تقدمًا ما يعني المزيد من التكلفة مقابل هذه المعالجات.
  • الثانية: تحقق فوائد للمستشفيات وشركات التأمين، لأن أغلب شركات التأمين تتحمل تكلفة خدمات الطب الوقائي.

تطبيق اللقاحات على نطاق واسع:

تعتبر اللقاحات بمختلف أنواعها جزءًا أساسيًا من الطب الوقائي، ومن المعروف أن اللقاحات تقي من الإصابة بالعديد من الأمراض القاتلة للإنسان (السل، الدفتيريا، شلل الأطفال، الجدري، كوفيد-19).

صحيح أن فكرة أخذ اللقاحات ما تزال مخيفة للبعض، إلا أن أغلب الدراسات الحديثة تظهر أن اللقاحات آمنة للاستخدام وهي ضرورية لتحفيز الجهاز المناعي تجاه هذه الأمراض. وأكبر مثال على نجاح اللقاحات هو أن البشرية استطاعت بفضلها القضاء على مرض الجدري الذي أصبح من التاريخ.

تخفيف العجز المرافق للأمراض المزمنة:

إن معظم الأمراض المزمنة تترافق مع نوع من العجز البدني، فعلى سبيل المثال: لا يستطيع المريض المصاب بتصلب الشرايين ممارسة الرياضة بأريحية، بل وقد يصل الأمر في المراحل المتقدمة من المرض إلى عدم القدرة على القيام بالأعمال الروتينية اليومية. وهنا يتجلى دور الطب الوقائي في منع الأمراض من الوصول إلى مثل هذه المراحل وكشفها بشكل باكر، وفي الحالات المثالية يستطيع منع الإصابة بها أساسًا.

السيطرة على أسباب المرض:

إن السيطرة على العوامل المؤهبة للأمراض تعتبر أمرًا أساسيًا في تجنب عدد كبير من المشاكل الصحية، على سبيل المثال: تجنب التدخين، المحافظة على وزن مثالي، التمارين الرياضية المناسبة. فزيارة أخصائي الطب الوقائي تساعد على وضع خطة مدروسة للوقاية من الأمراض والحفاظ على حياة صحية.

يقوم الأطباء بشرح المخاطر الصحية المحتملة لمرضاهم والتوصيات المتعلقة بحالتهم بشكل مفصل، هذه التوصيات تأتي بشكل أساسي من دراسات الطب الوقائي، فعلى سبيل المثال يسأل الطبيب مريضه أسئلة تتعلق بتاريخ عائلته المرضي، وهذا الأمر قد يكون دليلًا على وجود حالة ما لدى المريض لم تظهر بعد وتحتاج إلى فحوص ومتابعة دورية. أما بالنسبة للأفراد المصابين بأمراض مزمنة، فإن توصيات الأطباء قد تساعدهم في تخفيف أعراض المرض وتحسين نوعية حياتهم.

إن تطبيقات الطب الوقائي لا حصر لها في الممارسات الطبية، والتوجه الحالي هو الكشف المبكر عن الأمراض وليس التداخل عليها بعد أن تحدث، فالطب الوقائي يملك دورًا أساسيًا ومكانًا مهمًا في جميع الاختصاصات الطبية في أيامنا هذه.

المصادر: 12 

Loading spinner
Share your love