يحدث اضطراب ما بعد الصدمة PTSD بعد التعرض لحدثٍ ذو تأثير نفسي شديد، مسببًّا درجة عالية من الرعب والقلق والصدمة. يرتبط حدوث اضطراب ما بعد الصدمة في المعتقد الشعبي مع تجارب الحرب والكوارث، لكن يمكن لهذا الاضطراب أن يتطور نتيجة الكثير من الأسباب الطبيعية، واليومية المتنوعة، ولا يرتبط حدوثه بعمر معين، بل يمكن أن يتطور عند الكثير من الأشخاص من مختلف الشرائح العمرية. في هذا المقال شرح مفصل عن أسباب اضطراب ما بعد الصدمة، وعوامل الخطر والوقاية، والأعراض، والعلاج.
المحتويات
أسباب اضطراب ما بعد الصدمة
يحدث اضطراب ما بعد الصدمة عند اختبار أو مشاهدة حدث يتضمن تهديدًا مباشرًا بالموت، أو أذية جسدية، أو اعتداءً جنسيًّا. تميل النساء إلى الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بصورة أكبر مقارنة بالرجال، نتيجة تعرضهم لحوادث صادمة أكثر في حياتهم الشخصية والعملية. تعد الحروب، ووفاة شخص مقرب من أشيع أسباب الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة عند الرجال، بينما تعد حوادث السير الخطيرة والاعتداء الجسدي ورؤية شخص مقرب يتأذى أو يموت أشيع أسباب الإصابة بهذا الاضطراب عند النساء.
أهم العوامل المؤهبة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة
لا يسبب الحدث الصادم اضطراب ما بعد الصدمة بمفرده، بل تشارك مجموعة متنوعة من العوامل البيئية، والوراثية، والمجتمعية في زيادة احتمال إصابة الشخص بالاضطراب، وتُصنف عوامل الخطورة ضمن ثلاث مجموعات:
1 – العوامل السابقة للصدمة:
والتي تقسم بدورها لثلاث مجموعات:
- عوامل نفسية، مثل: التعرض السابق للصدمة، أو اضطراب قلق، أو اضطراب الهلع، أو اضطراب الاكتئاب، أو اضطراب الوسواس القهري.
- عوامل بيئية، مثل: تدني الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، وطفولة غير مستقرة نتيجة الفقر، أو وفاة أحد الوالدين، أو انفصالهما، ومعاناة مستمرة من نقص تقدير الذات. تجدر الإشارة إلى أن الحصول على دعم اجتماعي قبل التعرض للصدمة يشكل عاملًا وقائيًّا مهمًا ضد تطوير الاضطراب.
- عوامل وراثية وفيزيولوجية، مثل: العمر الصغير وقت التعرض للصدمة، وقد تزيد أو تخفض بعض الطفرات الوراثية من خطر تطوير الاضطراب.
2 – العوامل المحيطة بالصدمة:
التي تتضمن شدة الصدمة، فكلما كانت أكثر شدة كان خطر تطوير الاضطراب أكبر، ووجود خطر على الحياة في أثناء الحدث الصادم، وحدوث أذية جسدية، أو اعتداء جنسي من قبل الشخص المعتدي.
3 – العوامل التالية للصدمة:
التي تتضمن التقدير السلبي للذات، وتحمل مسؤولية وقوع الحدث الصادم، واعتماد استراتيجيات تأقلم غير صحيحة، والتعرض المستمر والمتكرر لمنبهات مزعجة متعلقة بالحدث الصادم، والتعرض لحوادث حياتية شديدة، واختبار مشاكل مالية أو فقدان شخص مقرب نتيجة الحدث الصادم.
أعراض وعلامات اضطراب ما بعد الصدمة
تصنف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في أربع مجموعات:
- الذكريات المسيطرة: تتضمن تذكر المريض أفكارًا مزعجة ومؤلمة تتعلق بالحادثة الصادمة، واختباره لمحات تتضمن هذه الأفكار والذكريات وكأنها تحدث أمامه في الواقع، وعيشه أحلامًا وكوابيس مزعجة تتضمن تفاصيل عن الحادثة الصادمة، وإبداء ردة فعل قوية وشديدة عند مواجهته أي منبهات فكرية أو فيزيائية تذكره بالحادثة الصادمة.
- سلوكيات التجنب: حيث يتجنب المريض التفكير بتفاصيل الحادثة الصادمة واستذكار أحداثها، ويرفض التحدث عن مجريات الحادثة مع الأشخاص المقربين منه. أيضًا يميل المريض إلى تجنب الأماكن، والأشياء، والأشخاص الذين يذكرونه بالحادثة الصادمة ومجرياتها.
- حدوث تغيرات سلبية في التفكير والمزاج: إذ يمتلك المريض بعد تعرضه للحادثة الصادمة أفكارًا سيئة عن نفسه أو عن العالم والأشخاص المحيطين به، وقد يصاب أيضًا بالإحباط واليأس ويفقد الأمل بحدوث أي تحسن في حياته في المستقبل. من الممكن أيضًا أن ينسى المريض جوانب مهمة للحادثة الصادمة ويعاني صعوبة في استذكارها، وتضطرب علاقاته مع الأشخاص المقربين منه من العائلة والأصدقاء، ويعاني صعوبة في التعبير عن المشاعر الإيجابية، ويفقد الرغبة في ممارسة مختلف النشاطات.
- حدوث تغيرات في السلوكيات وردات الفعل: إذ يبدو المريض حذرًا طوال الوقت، ويفزع ويرتعب من أي تغيرات مفاجئة أو أصوات قوية، ويكون سريع الغضب والانفعال، ويعاني من صعوبات في التركيز والنوم، ويطور سلوكيات مدمرة للذات، مثل: الإفراط في شرب المشروبات الكحولية أو القيادة السريعة الخطيرة.
علاج اضطراب ما بعد الصدمة
يُستخدم العلاج المعرفي السلوكي CBT في تعليم المريض أسلوب التعامل مع الأنماط التفكيرية الخاصة باضطراب ما بعد الصدمة وكيفية تغييرها. ويشمل هذا العلاج أربع طرق متنوعة:
- العلاج بالتعرض: يدفع هذا النمط من العلاج المريض نحو تخيل واسترجاع أحداث الصدمة في مخيلته داخل مكتب الطبيب المُعالج، فيعيشها مرة أخرى في مخيلته، ومن ثم يطلب الطبيب المعالج من المريض أن يغلق عينيه ويصف بصوت عالٍ اللحظة وكأنها تحدث الآن. يقوم هذا العلاج على فكرة أن الصدمة تحتاج معالجة عاطفية وعقلية حتى تصبح أقل إيلامًا وإثارة.
- العلاج بالتعرض في الواقع الافتراضي: يمثل الواقع الافتراضي وسطًا جديدًا لتطبيق العلاج بالتعرض. إذ يوفر للمريض عالمًا افتراضيًّا يعيش بداخله أحداثًا صدمته بعيدًا عن أي خطر.
- تقنيات تدبير القلق: يهدف هذا العلاج إلى تعليم المريض مهارات تساعده على التحكم في قلقه. ومن المهارات التي يعمل على تطويرها: استرخاء العضلات العميقة، والتحكم بالتنفس، والاعتماد على الذات، والسيطرة على الأفكار، والتحدث الموجه مع النفس.
- إزالة الحساسية المنتظمة: يعلّم هذا البرنامج المريض كيف يسترخي، من ثم يقدم له منبهات ومثيرات للصدمة التي تعرض لها بالتدريج، مبتدئًا بأقل المنبهات إزعاجًا وإيلامًا متصاعدًا بالتدريج. في حال أصبح المريض قلقًا جدًا يتم إيقاف التعرض، من ثم يُمنح وقتًا ليسترخي، وبعدها يعاد استكمال التعرض. يستمر المريض في هذا الإجراء حتى يتعرض إلى كامل المواقف والذكريات المتعلقة بالصدمة ويعتاد عليها، بحيث تتوقف عن إزعاجه.