ما الذي يشعر به مريض الوسواس القهري؟

عندما يتبادر مصطلح الوسواس القهري إلى ذهننا، قد نظن للوهلة الأولى أننا نصف أشخاصًا مهووسين بالنظافة والترتيب فقط، لكن هذا التصور ليس دقيقًا تمامًا. يؤثر اضطراب الوسواس القهري بشكل سلبي على حياة المصابين به، خصوصًا فيما يتعلق بعدم القدرة على التحكم بالأفكار السلبية، والقيام بسلوكيات متكررة بشكل إجباري.

ما هو الوسواس القهري؟

يعتبر الوسواس القهري من الاضطرابات النفسية المزمنة والشائعة، وتتميز بشعور الشخص بأفكار أو وساوس متكررة لا يرغب بها، تدفعه للقيام بأفعال وسلوكيات معينة لتخفيف القلق الناجم عن هذه الوساوس

قد يعلم الشخص المصاب بالوسواس القهري أن هذه الأفكار والأفعال غير منطقية، ومع ذلك يواجه صعوبة في التحكم بها، على عكس الأطفال الذين قد لا يشعرون بعدم منطقية هذه الوساوس حتى بلوغ سن الرشد. 

على الرغم من أن العديد من الأشخاص يعانون من بعض الهواجس والقلق من وقت لآخر، لكن إذا أثرت هذه الأفكار والسلوكيات المتكررة في الحياة والنشاطات اليومية، فقد تكون مؤشرًا كبيرًا على أن الشخص مصاب بالوسواس القهري.

يعتبر الوسواس القهري شائعًا نسبيًا، فهو يصيب 3% من البشر تقريبًا، وذلك بحسب إحصائيات المعهد الوطني للصحة النفسية (NIH)، ولا تتأثر معدلات الإصابة بعوامل مثل: العمر والجنس والعرق أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي. 

يؤدي الوسواس القهري إلى الشعور بعدم الراحة والقلق والشك المستمر، تساعد الأفعال والسلوكيات المتكررة التي يقوم بها الشخص على التخلص من هذا الشعور والتفكير الزائد، وبالتالي، غالبًا ما يركز العلاج على مساعدة الناس على تقبل هذه الشكوك والأفكار في حياتهم اليومية، والتعامل معها بشكل مريح.

هل هناك أنواع مختلفة من الوسواس القهري؟

عادةً ما تختلف الأعراض والتجارب بين الأشخاص المصابين بالوسواس القهري بشكل كبير، نظرًا لتنوع الأفكار والوساوس التي قد يشعرون بها، ولن يكون لدى أي شخص نفس الهواجس والسلوكيات مثل الآخرين.

تشمل الهواجس والأفكار المرتبطة بالوسواس القهري:

  • الخوف من التلوث بالجراثيم أو المواد الكيميائية أو مفرزات الجسم أو الأوساخ.
  • مخاوف بشأن فقدان السيطرة، أو إيذاء النفس أو الآخرين عن غير قصد، أو قول شيء غير مناسب.
  • القلق الزائد بشأن الترتيب أو النظام أو تذكر الأشياء أو فقدان الأغراض.
  • الهواجس الوجودية التي تتعلق بمعنى وهدف الحياة والموت والكون.
  • التركيز على الشك بالشريك أو العثور على عيوب في العلاقة.

تكون الأفعال والسلوكيات القسرية التي يقوم بها الشخص المصاب بالوسواس القهري موجهة للتخلص من القلق الناجم عن الوساوس، ويمكن أن تشمل هذه السلوكيات ما يلي:

  • الإفراط في الغسيل والتنظيف والتعقيم واتخاذ أي إجراء لمنع التلوث.
  • الفحص المتكرر لتجنب ارتكاب أي خطأ والتأكد من عدم حدوث شيء سيء.
  • تكرار الأفعال أو الأنشطة بطريقة معينة أو لفترة زمنية محددة.
  • ترتيب الأشياء ثم إعادة ترتيبها بشكل متكرر.
  • مراجعة الأحداث مع الذات، لضمان عدم حدوث أي شيء سلبي، أو العد أثناء أداء المهام لتجنب الانتهاء عند عدد معين.

كيف يشعر المصاب باضطراب الوسواس القهري؟

تختلف التجارب من فرد إلى آخر، نظرًا لأن أعراض الوسواس القهري تظهر بعدة أشكال، قد يكون لدى أحد الأشخاص خوف كبير من الموت أو المرض، ما يجعله يقوم بأفعال معينة بشكل متكرر لضمان سلامته. يمكن أن يقوم شخص آخر بالتأكد من قفل الأبواب أو النوافذ أو إقفال أبواب السيارة بشكل قسري، خوفًا من أن يكونوا مسؤولين عن تسلل شخص ما لسرقة ممتلكاتهم أو التسبب في أذى أحدهم، وكل ذلك لأنهم فشلوا في فحص أقفال الأبواب.

إذا كنت تعاني من الوسواس القهري، فقد تواجه دوافع لا يمكن السيطرة عليها للقيام بأفعال تبدو غير منطقية لإرضاء الأفكار القهرية، مثل: الشعور بالرغبة في فتح الباب وإغلاقه لمرات عديدة، أو التركيز على فكرة معينة وأهمية إتمامها قبل التمكن من عمل أي شيء آخر، مثل: التفكير بإعادة ترتيب المنزل بأكمله أو التخطيط لميزانية الأسرة السنوية قبل أن يتمكن الفرد من التركيز على عمله.

من الممكن أن يصاب الأطفال أيضًا بالوسواس القهري، حيث تراودهم أفكار أو مخاوف غير مرغوب بها، ويحاول الطفل التخلص منها من خلال أداء نشاطات معينة أو سلوكيات متكررة، فمثلًا: قد يرتب الطفل المصاب بالوسواس القهري ألعابه أو كتبه بترتيب معين أو يلمس مناطق من الجسم بشكل متكرر لتخفيف الخوف والقلق، وقد يطرحون الأسئلة أيضًا بشكل متكرر مع السعي للشعور بالأمان بشكل زائد، مثل: السؤال قبل القيام بأي نشاط، عما إذا كان سيبقى بخير بعد القيام به.

يمكن أن تسبب هذه الحالة المزمنة من الشك والقلق، شعور الفرد بالإرهاق بشكل كبير، لكن التفكير بهذه الطريقة والتصرف بناءً على هذه الوساوس، لا علاقة له بمدى قوة إرادة الشخص، لأن الوسواس القهري حالة صحية نفسية يجب التعامل معها وعلاجها بالشكل المناسب.

متى يجب عليك استشارة الطبيب؟

هناك فرق كبير بين الشخص المثالي المتطلب الذي يسعى إلى عيش حياة من دون عيوب، وبين الشخص الذي يعاني من الإصابة بالوسواس القهري، إذ لا تعتبر أفكار الوسواس القهري مجرد مخاوف مفرطة بشأن الحياة، أو الرغبة في تنظيف الأشياء أو ترتيبها بطريقة محددة.

ينصح باستشارة طبيب نفسي مختص، إذا كانت الوساوس والأفعال القسرية تؤثر على نوعية الحياة، مع عدم القدرة على السيطرة عليها.

كيف يمكن التعامل مع الوسواس القهري؟

قد يكون التعامل مع الوسواس القهري أمرًا صعبًا أحيانًا، وهناك العديد من الخيارات العلاجية لتخفيف الأعراض، تشمل العلاجات المتاحة، العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج بالتعرض والاستجابة، بالإضافة إلى بعض الأدوية النفسية مثل: مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية. يحدد اختصاصي الصحة النفسية الخطة العلاجية المناسبة، بناءً على حالة كل شخص.

يمكن أيضًا أن يساعد الانضمام إلى إحدى مجموعات الدعم على التعامل مع الوسواس القهري وأعراضه، من خلال توفير بيئة آمنة لمشاركة المشاعر والأفكار والتجارب مع آخرين يعانون من وساوس مشابهة. 

إذا كنت تعاني من الوسواس القهري أو تهتم بشخص لديه هذه الأعراض، فأنت لست وحيدًا في هذه الرحلة، وعلى الرغم من أنك تشعر بالقلق والإرهاق واليأس أحيانًا، لكن من الممكن تدبير حالتك والتعامل معها من خلال خطط العلاج المناسبة والفعالة. 

Loading spinner
Share your love