تعد الاضطرابات النفسية أمراضًا ذات معدل انتشار مرتفع في العالم، وتعتبر بعضها أمراضًا ذات قابلية للانتقال بشكل وراثي، كما يحدث بعضها الآخر أيضًا نتيجة للتفاعلات بين العوامل الوراثية والبيئية. ومع ذلك فإن العلاقة بين الاضطرابات النفسية والجينات هي علاقة متباينة ومعقدة ويصعب تقييمها.
المحتويات
ماذا يعني ظهور اضطراب نفسي لدى عائلة معينة؟
إذا كنت تعاني من اضطراب نفسي وتفكر في إنجاب أطفال أو لديك أطفال بالفعل، فإن أحد الأسئلة التي ربما تطرحها على نفسك هو ما إذا كان بإمكانك نقل الاضطراب النفسي إلى طفلك.
تكون فرصة إصابة الفرد باضطراب نفسي معين أعلى إذا كان أفراد العائلة الآخرون يعانون من نفس الاضطراب النفسي، على الرغم من أن الاضطراب النفسي قد ينتشر في العائلة، فقد تكون هناك اختلافات كبيرة في شدة الأعراض بين أفراد الأسرة، وهذا يعني أن أحد أفراد الأسرة قد يكون مصابًا بحالة خفيفة، بينما يعاني شخص آخر من حالة أكثر شدة من الاضطراب النفسي. بالتالي فإن الاضطرابات النفسية لا تتبع أنماطًا وراثية نموذجية.
ما هي أسباب الاضطرابات النفسية؟
تنجم معظم الاضطرابات النفسية عن مجموعة من العوامل الجينية والبيئية. وهذا ما يسمى بالوراثة متعددة العوامل.
العديد من المشكلات الطبية الشائعة الأخرى مثل مرض السكري النمط 2 والسمنة والربو تخضع أيضًا للوراثة متعددة العوامل.
العوامل البيئية
تشمل العوامل البيئية التي تساهم في تطور الاضطرابات النفسية ما يلي:
- الصدمة: تؤدي الإساءة الجنسية والجسدية والعاطفية أثناء الطفولة إلى زيادة احتمالية الإصابة باضطراب نفسي. كما أن فقدان أحد الأحبة، والكوارث الطبيعية من العوامل الرئيسية أيضًا.
- الأذيات العاطفية: يمكن أن تؤدي التجارب المدرسية السلبية والتنمر أيضًا إلى ضرر نفسي شديد على المدى الطويل.
- الإدمان: ارتبط التدخين وتناول الكحول والعقاقير غير المشروعة بتطور الاضطرابات النفسية، مثل اضطرابات تعاطي المخدرات أو الإدمان.
العوامل الوراثية
تشمل العوامل الوراثية التي تساهم في تطور الاضطرابات النفسية ما يلي:
- التنظيم الجيني: تؤثر الوراثة الجينية على كيفية تفاعل الشخص مع العوامل البيئية وقد تؤثر على ما إذا كان هذا الشخص سيصاب باضطراب نفسي ما. نتيجة لذلك يكون المزيج بين العوامل البيئية والتنظيم الجيني سببًا لحصول الاضطراب النفسي.
- الأنماط الجينية: إن الاختلافات في الأنماط الجينية تجعلنا مميزين كأفراد. لن يؤدي وجود نمط جيني محدد لوحده إلى تطور اضطراب نفسي. ومع ذلك فإن الجمع بين واحد أو أكثر من الأنماط المحددة وعوامل بيئية معينة قد يؤدي إلى تطور اضطراب نفسي.
هل ترتبط بعض الأمراض النفسية بشكل مباشر بالوراثة؟
تشير دراسة جديدة إلى أن الاضطرابات النفسية الرئيسية تشترك في بعض الأسباب على المستوى الجيني. قد تساعد نتائج الدراسة للوصول إلى طرق أفضل لتشخيص وعلاج هذه الحالات.
لقد أدرك العلماء أن العديد من الاضطرابات النفسية تميل إلى الانتشار في العائلات، مما يشير إلى جذور وراثية محتملة، وتشمل هذه الاضطرابات التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) والاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب الشديد وانفصام الشخصية. يمكن أن تتداخل الأعراض وبالتالي يصعب التمييز بين هذه المتلازمات النفسية الرئيسية الخمسة. تشير الأعراض المشتركة إلى أنهم قد يتشاركوا أيضًا في الخلل على المستوى البيولوجي، كما كشفت الدراسات الحديثة في الواقع عن أدلة على وجود عوامل خطر جينية مشتركة.
يقول المؤلف المشارك للدراسة الدكتور جوردان سمولر من مستشفى ماساتشوستس العام: “على الرغم من وجود دلالة إحصائية، إلا أن هذه الارتباطات الجينية يمكن أن تمثل فقط قدرًا صغيرًا من عوامل ومخاطر الإصابة بالاضطرابات النفسية”. لهذا السبب لا يمكن استخدام هذه الدراسات حتى الآن للتنبؤ بحالات معينة أو تشخيصها، لكن قد تساعد هذه النتائج الباحثين على الاقتراب من إجراء تشخيصات أكثر دقة، وأيضًا في الوصول إلى فهم أفضل للعوامل التي تسبب هذه الاضطرابات النفسية الرئيسية.
علامات وأعراض الاضطرابات النفسية
يعاني الجميع من أوقات جيدة وأخرى سيئة خلال حياتهم، حيث يوجد العديد من التجارب المرهقة نفسيًا، مثل فقدان شخص عزيز والتي قد تؤثر مؤقتًا على صحتك النفسية.
توجد معايير لتشخيص الاضطراب النفسي، حيث يجب أن تسبب الأعراض ضغوطًا كبيرة أو تتداخل مع الأداء الاجتماعي أو المهني أو التعليمي وأن تستمر لفترة زمنية محددة. يتميز كل اضطراب نفسي بمجموعة من الأعراض الخاصة التي يمكن أن تختلف اختلافًا كبيرًا في شدتها، ولكن تشمل العلامات الشائعة للاضطراب النفسي لدى البالغين والمراهقين:
- الخوف أو القلق المفرط: الشعور بالخوف أو القلق أو التوتر أو الذعر.
- تغيرات في المزاج: الحزن الشديد، وعدم القدرة على التعبير عن الفرح، واللامبالاة تجاه المواقف، ومشاعر اليأس، والضحك في أوقات غير مناسبة دون سبب واضح، أو أفكار انتحارية.
- اضطرابات التفكير: عدم القدرة على التركيز أو مشاكل الذاكرة أو الكلام الذي يصعب تفسيره.
- تغيرات في النوم أو الشهية: النوم وتناول الطعام بشكل أكثر أو أقل من المعتاد، زيادة أو خسارة الوزن بشكل ملحوظ وسريع.
- العزلة: الجلوس وعدم القيام بأي شيء لفترات طويلة من الوقت أو الانقطاع عن الأنشطة التي كنت تستمتع بها سابقًا.
من المهم معرفة أن وجود واحدة أو اثنتين من هذه العلامات وحدها لا يعني أنك مصاب باضطراب نفسي، لكنه يشير إلى أنك قد تحتاج إلى مزيد من التقييم. إذا كنت تعاني العديد من هذه الأعراض في وقت واحد وتمنعك من ممارسة حياتك اليومية، فيجب عليك الاتصال بأخصائي الصحة النفسية.
كيف تُشخص الاضطرابات النفسية؟
إن تشخيص الاضطراب النفسي هو عملية متعددة الخطوات قد تتطلب أكثر من أخصائي صحة نفسية واختبار، وغالبًا ما تبدأ بطبيب الرعاية الأولية الخاص بك.
الفحص الفيزيائي
يجب الخضوع لفحص فيزيائي قبل وضع التشخيص لاستبعاد الأسباب الجسدية. يمكن أن يكون لبعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق أسباب جسدية. يمكن أحيانًا تشخيص مشاكل الغدة الدرقية والأمراض الجسدية الأخرى على أنها اضطرابات نفسية بسبب الأعراض المتداخلة أو المتشابهة، وهذا هو السبب في أن الفحص الفيزيائي الشامل أمر ضروري.
قد يأخذ الطبيب التاريخ المرضي وقد يطلب فحوصًا مخبرية لاستبعاد المشكلات الجسدية التي قد تسبب الأعراض. إذا لم يجد الطبيب سببًا جسديًا للأعراض، فمن المحتمل أن تتم إحالتك إلى أخصائي صحة نفسية ليشخّص الاضطراب النفسي.
التقييم النفسي
سيطرح أخصائي الصحة النفسية، مثل الطبيب النفسي أو المعالج النفسي، سلسلة من الأسئلة المتعلقة بالأعراض وتاريخ العائلة. قد يطلب حتى من أحد أفراد الأسرة المشاركة في المقابلة حتى يتمكنوا من وصف الأعراض التي يرونها على المريض خلال الحياة اليومية.
يجري أخصائي الصحة النفسية في بعض الأحيان اختبارات ويستعمل أدوات التقييم النفسي الأخرى لتحديد التشخيص الدقيق أو المساعدة في تحديد مدى خطورة الاضطراب. يستخدم معظم الأطباء النفسيين والمعالجين النفسيين دليل APA التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) لتشخيص اضطرابات الصحة النفسية.
يحتوي هذا الدليل على علامات وأعراض جميع الاضطرابات النفسية المختلفة. كما يذكر المعايير أو الأعراض التي يجب أن تكون موجودة، وعددها، ومدة تواجدها من أجل وضع التشخيص الدقيق، وتُعرف هذه باسم معايير التشخيص.
علاج الاضطرابات النفسية
تعتبر معظم الاضطرابات النفسية “غير قابلة للشفاء بشكل تام”، لكنها بالتأكيد قابلة للعلاج. يختلف علاج اضطرابات الصحة النفسية بشكل كبير اعتمادًا على التشخيص وشدة الأعراض، ويمكن أن تختلف النتائج اختلافًا كبيرًا على المستوى الفردي.
تستجيب بعض الاضطرابات النفسية جيدًا للأدوية، بينما تستجيب بعض الحالات الأخرى بشكل أفضل للعلاج السلوكي، كما تدعم بعض الأبحاث أيضًا استخدام العلاجات التكميلية والبديلة في ظروف معينة. تتضمن معظم خطط العلاج استعمال أكثر من خيار علاجي معًا، وقد تستلزم أحيانًا رفع الجرعة الدوائية أو استبدال الفئة الدوائية قبل العثور على الأفضل بالنسبة لكل حالة.