الربو مرض التهابي مزمن يصيب الطرق التنفسية (القصبات) مسببًا حدوث التشنج أو التقبض القصبي ما يعيق عملية التنفس والتهوية الطبيعية. للربو مجالين عمريين هامين، عند الأطفال وعند البالغين، إذ يحدث عند الأطفال بوجود أرضية وراثية وتحسسية عالية، في حين يصيب الكبار والبالغين كحدثية التهابية ارتكاسية تحدث بعد العديد من الالتهابات التنفسية بشكل عابر، وفي كل الأحوال لا يعتبر الربو مرضًا دائمًا بل يمكن علاجه وضبطه وأحيانًا معاكسته بشكل شبه تام مريح للمريض لفترات زمنية طويلة.
المحتويات
الأدوية وتأثيرها على الربو
إن الربو وباعتباره مرضًا مزمنًا يستمر مع المريض لسنوات عديدة، يجب أخذ الحيطة والحذر دومًا من كافة العوامل الكيميائية الصناعية والطبيعية التي قد تحرض هجماته. تمتلك العديد من الأدوية تأُثيرًا محرضًا للهجمات والأعراض الربوية، ويجب تثقيف المريض بها وإطلاعه عليها لتجنب تناولها، كما يجب التأكيد على مرضى الربو ألا يهملوا ذكر إصابتهم بالربو في أي مراجعة طبية مهما كانت حالتهم الربوية مستقرة.
يمكن تصنيف الأدوية التي يمنع على مرضى الربو تناولها في ثلاث مجموعات رئيسية:
الصنف الأول: الأدوية من زمرة مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية
تستعمل هذه الأدوية بشكل شائع في تخفيف الآلام خاصة تلك الناجمة عن الإصابات المفصلية والعظمية والعصبية، كما تستعمل في كثير من حالات الالتهاب لتخفيف العملية الالتهابية وخفض الحرارة، ومثلها حالات الزكام الشائع، كما توصف العديد منها في بعض أنواع الصداع، الآلام الناجمة عن الإباضة أو المرافقة للدورة الشهرية.
من أشهر الأدوية التي تنتمي إلى هذه العائلة وتستعمل على نطاق واسع هو دواء إيبوبروفين Ibuprofen ومثله كيتوبروفين Ketoprofen، بالإضافة إلى الديكلوفيناك Diclofenac، وكذلك الأمر دواء السيليكوكسيب Celecoxib والإيتوريكوكسيب Etoricoxib المستعملان بشكل شائع في تسكين الآلام المفصلية والعصبية المزمنة. إن الآلية التي تعمل بها هذه الأدوية هي في تثبيط وسائط كيميائية موجودة في الجسم تدعى البروستاغلاندينات، هذه الوسائط لها دور هام في تضخيم العمليات الالتهابية عند حدوثها مما يساهم في زيادة الالتهاب والألم، ولكن ما الذي يجعلها خطيرة عند مرضى الربو؟
رغم أن الربو بحد ذاته هو عملية التهابية أيضًا، إلا أن الآلية التي تثبط فيها مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية اصطناع البروستاغلاندينات الالتهابية تؤدي إلى تعديل مسار العمليات الكيميائية في القصبات الهوائية باتجاه اصطناع مواد كيميائية أخرى تدعى اللوكوترينات التي تزيد من التشنج القصبي وبالتالي من شدة التأثير الربوي، لهذا السبب يقوم الأطباء بالابتعاد عن وصف هذه الزمرة الدوائية لمرضى الربو، ويلجؤون إلى استخدام البدائل الدوائية الأخرى لتخفيف الآلام والعملية الالتهابية لديهم، ولا زالت تجرى الأبحاث الطبية لكل دواء على حدة من هذه العائلة الكبيرة لتحري أيهما الأكثر أمانًا عند مرضى الربو.
الصنف الثاني: الأسبرين
لماذا وضع الأسبرين بمفرده ضمن صنف خاص؟ للأسبرين في الواقع تأثيران علاجيان هامان:
يتجلى الأول في دوره في الوقاية من تشكل الخثرات الدموية الصفيحية ولهذا السبب نراه مستعملًا بشكل شائع عند مرضى نقص التروية القلبية واضطرابات الأوعية الدموية، بالإضافة لما سبق فإن للأسبرين آلية عمل مضادة للالتهاب مشابهة لآلية عمل مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، وكان يستعمل -وخاصة سابقًا- في تدبير الترفع الحروري والالتهابات الشائعة مثل الزكام.
لماذا نبتعد في وصف الأسبرين عند مرضى الربو؟ في الواقع لا تختلف أسباب منع الأسبرين عن مرضى الربو عن الأسباب العامة لمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية الأخرى.
الصنف الثالث: الأدوية من زمرة حاصرات مستقبلات بيتا
تنتشر مستقبلات بيتا في كافة أنسجة الجسم تقريبًا ومنها القصبات الهوائية، ويختلف تأثيرها من نسيج إلى آخر، فهي على سبيل المثال تسرع القلب، وترفع الضغط، ولكنها توسع القصبات الهوائية.
في الممارسة الطبية، يوجد صنفان دوائيان متعلقان بمستقبلات بيتا، حاصرات مستقبلات بيتا، ومنبهات مستقبلات بيتا. تستعمل حاصرات مستقبلات بيتا في أمراض القلب والضغط الشرياني، حيث أنها تبطئ المعدل القلبي في حالات تسرع القلب، وتخفض الضغط الشرياني، كما أن لها تأثير عام مخفف لحالات التوتر والقلق. أما منبهات مستقبلات بيتا فتستعمل بشكل رئيسي في حالات التشنج القصبي كما في الربو لإحداث توسع في الطرق الهوائية من شأنه أن يخفف من أعراض التعب التنفسي. تكمن المشكلة في التعامل مع حاصرات بيتا عند وصفها لمريض ربوي يعاني من مرض قلبي وعائي كارتفاع الضغط أو تسرع القلب، في هذه الحالة لا يمكن وصف الأدوية من زمرة حاصرات بيتا لهؤلاء المرضى بسبب تأثيرها المقبض للقصبات، ويجب على الطبيب أن يبحث عن بدائل دوائية أخرى.
في الواقع، وبنفس الطريقة، فإن إعطاء مريض ربوي يعاني من ارتفاعًا في الضغط أو تسرعًا في القلب أدوية من زمرة منبهات بيتا قد يسيء إلى المرض القلبي أو ارتفاع الضغط لديه، لذلك تم تصميم منبهات بيتا بشكل إنشاقي يحصل فيه المريض على المادة الدوائية بالاستنشاق من خلال عبوات خاصة أو بالإرذاذ بحيث تصل المادة الدوائية مباشرة إلى الرئتين دون المرور بالمجرى الدموي والتوزع إلى الأنسجة الأخرى كالقلب والأوعية الدموية وبالتالي حدوث الآثار الجانبية غير المرغوب بها.
هل توجد بدائل دوائية دوائية يمكن إعطاؤها بأمان عند مرضى الربو؟
بالتأكيد يوجد العديد من البدائل الآمنة التي تعطي ذات الفعالية الدوائية المرغوب بها لعلاج المرض المرافق دون أن تحدث أي تأثير سلبي على الحالة الربوية للمريض، حيث يمكن استبدال الأسبرين الموصوف لدوره الواقي من التخثر الدموي الصفيحي بالعديد من الأدوية التي تعمل بنفس هذه الآلية دون أن يكون لها أي تأثير مشابه لعمل مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية.
بالمقابل يوجد قائمة دوائية واسعة وهامة لعلاج أمراض القلب التسرعية وارتفاع الضغط الشرياني بعيدًا عن زمرة حاصرات بيتا بحيث تضمن للمريض فعالية علاجية عالية لمرضه المرافق وحماية من حدوث أي هجمة ربوية مسببة بالتداخلات الدوائية، أما بالنسبة لتسكين الآلام وتخفيف العمليات الالتهابية، فيمكن اللجوء إلى مسكنات الألم العامة مثل السيتامول، أو مضادات الالتهاب الستيروئيدية بجرعات مضبوطة من قبل الطبيب حصرًا في تدبير الآلام الالتهابية الشديدة، علمًا أن أبحاثًا طبية واعدة تجرى حول بعض الأدوية من زمرة مضادات الالتهاب الستيروئيدية ذات الأمان النسبي عند استخدامها عند مرضى الربو وخاصة Celecoxib.
ويجب القول إن نسبة أكثر من ثلثي الحالات التي يتناول فيها المريض الربوي سواء عن طريق الخطأ أو الحاجة الماسة لأحد الأدوية من زمرة مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية لسبب ما خارج الهجمات الربوية، كانت آمنة تمامًا.