تأثير الاضطرابات الهرمونية خلال الحمل على الصحة النفسية للأم

كيف تؤثر الهرمونات على الصحة النفسية للأم أثناء الحمل؟

تحدث تغيرات جذرية مهمة في الهرمونات الأنثوية أثناء الحمل، وترتبط هذه الهرمونات بمشاعر الأم المختلفة خلال فترة الحمل، وهي تعمل على بناء علاقة صحية بين الأم والطفل، ولكن من الممكن أن تؤدي هذه التغيرات الهرمونية بالإضافة إلى التغيرات الجسدية والإرهاق والتعب خلال فترة الحمل إلى آثار سلبية على الصحة النفسية. سنتحدث في هذا المقال عن تأثير التغيرات الهرمونية على الصحة النفسية وعلاقتها بتقلبات المزاج المرافقة للحمل.

تأثير اضطرابات الهرمونات على الحالة النفسية؟

يؤدي الحمل إلى تغيرات جذرية في العديد من الهرمونات. ومن المهم معرفة تأثير كل نوع من هذه الهرمونات على الصحة النفسية.

البروجسترون

يرتفع هرمون البروجسترون طوال الأشهر التسعة من الحمل، ثم ينخفض بشكل حاد عند الولادة. وهذا الانخفاض الحاد هو أحد الآليات التي تؤدي إلى اكتئاب ما بعد الولادة لدى النساء، ويعتبر البروجسترون بالإضافة للأستروجين من “الهرمونات الستيروئيدية الجنسية”. كما أن هناك فرضيات تشير إلى أن أحد مستقلبات البروجسترون (وهو الألوبريجنانولون) يشارك بشكل خاص في تنظيم الحالة المزاجية والقلق. والبحوث بشأن هذا المستقلب لا تزال في بدايتها، فأغلب البيانات مأخوذة من دراسات أجريت على الحيوانات، ولكن على ما يبدو أنه قادر على خلق تأثير مضاد للاكتئاب والقلق في الجسم.

الأستروجين

هو الستروئيد الجنسي الآخر وهو أيضًا يرتفع طوال فترة الحمل، مع انخفاض حاد عند الولادة. يؤثر هذا الهرمون على وظائف الجسم المختلفة، بما في ذلك وظائف المخ المسؤولة عن الحالة المزاجية. وإحدى الطرق التي يؤثر فيها على الحالة المزاجية هي تأثيره المشترك مع السيروتونين، فالسيروتونين هو أحد الجزيئات التي يعتقد أنها مسؤولة عن تطور حالات الاكتئاب والقلق. وكما هو الحال بالبروجسترون، فإن انخفاض هرمون الأستروجين بعد الولادة مباشرةً هو أحد المحرضات المحتملة لاكتئاب ما بعد الولادة لدى النساء الضعيفات.

الأوكسيتوسين

مادة كيميائية تفرز من الدماغ ولها تأثيرات مختلفة في جميع أنحاء الجسم. وتشمل هذه الآثار انخفاض القلق والتوتر. ويعتقد أيضًا أن الأوكسيتوسين يلعب دورًا مهمًا في سلوك الأمومة، مثل الاهتمام الذي تظهره الأم الجديدة لرضيعها وعلاقة الترابط بينهما. ومن الناحية الجسدية، يساعد الأوكسيتوسين الرحم على العودة إلى حجمه الطبيعي بعد الولادة.

الكورتيزول

يعرف الكورتيزول باسم “هرمون التوتر”. وفي فترة الحمل، ترتفع مستويات الكورتيزول تدرجيًا حتى نهاية الحمل وتصل إلى 2 – 3 أضعاف المستويات المتوسطة عن النساء غير الحوامل. حاولت العديد من الدراسات تحديد ما إذا كانت المستويات العالية أو المنخفضة من الكورتيزول أو التغيرات في الدورة اليومية للهرمون مرتبطة بالاكتئاب، وكانت النتائج مختلطة. يفترض العلماء أن هناك أشكال مختلفة من اكتئاب ما بعد الولادة، بعضها متعلق بأسباب هرمونية ومرتبط بالتغيرات في وظيفة الكورتيزول.

أسباب تقلبات المزاج أثناء الحمل

هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأم تعاني من التقلبات المزاجية أثناء الحمل – الهرمونات والحرمان من النوم والقلق المزعج تشكل مجرد قمة جبل الأسباب. لذلك يجب علينا طمأنة الأم وعدم اتهامها بأنها درامية، فهناك تفسيرات جسدية وفيزيولوجية وعقلية حقيقية لهذا السلوك الغريب.

التغيرات في مستويات الهرمون

كما تحدثنا في السابق عن مدى تأثير للهرمونات وانخفاضها الحاد في نهاية الحمل على الصحة النفسية. كذلك فإن الارتفاع المفاجئ في هرمونات الحمل يعد السبب الأكبر لتقلبات المزاج المزعجة. فخلال الأيام الأولى من الحمل، تتعرض المرأة لفيضان حقيقي من هرمونات الأستروجين والبروجسترون. ويمكن أن يؤدي هذان الهرمونان إلى العديد من اضطرابات الصحة النفسية لدى المرأة.

وكما ذكرنا سابقًا فإن الأستروجين يعمل على تنشيط منطقة من الدماغ التي تنظم الحالة المزاجية – لذلك فليس من المستغرب أن يرتبط هذا الهرمون بالقلق والتهيج والاكتئاب. ومن ناحية أخرى، فإن هرمون البروجسترون هو هرمون يساعد على ارتخاء العضلات والمفاصل ومنع الانقباضات المبكرة. وبالتالي يمكن أن يسبب التعب والخمول وحتى الحزن.

التعب والحرمان من النوم

يمكن للإجهاد في الثلث الأول من الحمل أو الحرمان من النوم في وقت متأخر من الحمل أن يضيف الوقود إلى النار المشتعلة ويجعل المرأة تشعر بأن أي شيء يمكنه أن يثير تقلبات المزاج. فمن الصعب أن يشعر المرء بالبهجة والتفاؤل عندما يكون مرهقًا من القلب.

وفي الأسابيع 12 الأولى، يتم الاستخفاف بالتعب الذي تشعر به المرأة. فبغض النظر عن النوم الذي تحصل عليه، ستستمر بالشعور بالاستنزاف. يمكن أن يؤثر ذلك على جسدها وعقلها – خاصةً إذا كانت تعتني بأطفالها الآخرين وتؤدي وظيفتها وتحاول إدارة جميع التزامات الحياة الأساسية. وبالمثل، في نهاية الحمل يمكن أن تبقى الأم مستيقظة في الليل. فمن الصعب العثور على وضعية مريحة في السرير لملائمة بطنها الذي ينمو، ومن المرجح أن تعاني من الأوجاع والآلام أو من انقباضات براكستون هيكس.

القلق والتوتر

من الممكن أن تعاني المرأة الحامل من قلق عام بشأن أنها ستصبح أمًا. وقد يجعلها التوتر الناتج عن تعديلات الحياة والأمور المادية تشعر بالمرارة والقلق والعصبية. والقلق المتزايد بشأن المخاض يمكنه أيضًا أن يجعل الأم عابسة ومتوترة. فالمخاوف بشأن الولادة حقيقية وعقلانية، ولكن يمكنها أن تتصاعد لتصبح مخاوف تطفلية.

من الطبيعي أن تشعر المرأة بقليل من الغرابة وهي تقلق دائمًا بشأن ألم الانقباضات أو مستقبل منطقة العجان. فهناك الكثير من المضاعفات المحتملة المقلقة، ويمكن أن تكون هذه المخاوف مزعجة لأول مرة وللأمهات المتمرسات على حد سواء. علاوةً على ذلك، فإذا تعرضت المرأة لمضاعفات أو لإجهاض في الماضي، فإن القلق ليس مفهومًا فحسب، لا بل إنه مرهق عاطفيًا. لذلك تستطيع المرأة التحدث إلى طبيب النسائية الخاص بها من أجل مساعدتها في تخفيف هذه المخاوف المزعجة.

في النهاية وكما رأينا أن الحمل واضطرابات الهرمونات التي تحدث خلاله بالإضافة وتقلبات المزاج والإرهاق التي تمر به المرأة قد يؤثر بشكل لا بأس به على صحتها النفسية. لذلك يجب على المحيطين بها من زوجها وعائلتها أن يراعوا هذه الأفعوانية العاطفية التي تمر بها، ويتقبلوا مخاوفها للتخفيف عنها من أجل تجاوز الولادة بسلام والتفكير في بناء علاقة أمومة جيدة بين الطفل وأمه.

Loading spinner
Share your love