قبل البدء باستخدام أي دواء جديد وطرحه في الأسواق يجب اختباره بدقة قبل ترخيصه من قبل الهيئات والمنظمات المختصة وإتاحة استخدامه للمريض. تتم دراسة العقار الجديد لأول مرة في المختبر ثم إذا بدا واعدًا تُجرى دراسته بعناية كبيرة وبحذر على البشر، وإذا أظهرت التجربة أنه يعمل بشكل جيد ولا يسبب الكثير من الآثار الجانبية فقد يتم ترخيصه بعد ذلك.
لا يمكننا تحديد كمية الوقت التي يستغرقه اختبار الدواء والموافقة عليه، وقد تستغرق هذه العملية من 10 سنوات إلى 15 سنة أو أكثر حتى يتم استكمال جميع المراحل الثلاث الأساسية من التجارب قبل ترخيص الدواء، لكن هذه الفترة تختلف كثيرًا من دواء إلى آخر ومن بلد إلى آخر، وسنتعرف في هذا المقال لماذا يتم ابتكار الأدوية وتطويرها وما هي المراحل والاختبارات التي يمر بها الدواء قبل أن يُرخص، وما هي العوامل التي تؤثر على طول المدة اللازمة لتطوير الدواء وترخيصه.
المحتويات
لماذا يتم تطوير الأدوية الجديدة واختبارها؟
يجب اختبار الأدوية الجديدة وتجربتها قبل أن يصفها الأطباء للمرضى ليبدؤوا بتناولها ويتم فحص هذه الأدوية من أجل التأكد من النقاط التالية:
- الأمان: هذه نقطة مهمة جدًا لأن بعض الأدوية سامة ولها آثار جانبية أخرى قد تكون ضارة.
- الفعالية: هنا يتم التحقق من مدى فعالية الدواء في علاج المرض أو مدى تحسن الأعراض.
- الجرعة: تختلف الجرعة من دواء لآخر ويجب أن يتم تحديد الجرعة بشكل دقيق جدًا لأن التركيز المرتفع من بعض الأدوية قد يكون سامًا.
ما هي العوامل التي تؤثر على طول الفترة التي يحتاجها الدواء الجديد ليتم اختباره وترخيصه؟
- نوع المرض الذي يعالجه الدواء: تحتاج بعض الأدوية إلى فترة أطول من غيرها للاختبار مثل أدوية السرطان، نظرًا لقلة عدد المرضى المتاحين للمشاركة، وقد تحتاج فرق البحث من دول مختلفة للعمل معًا حتى يكون هناك عدد كافٍ من المرضى ما يجعل التجربة تحتاج وقتًا أطول للتنظيم والإعداد.
- نوع العلاج والمدة التي يستغرقها حتى تبدأ النتائج بالظهور: هناك أدوية وعلاجات يبدأ تأثيرها من جرعة واحدة بينما تحتاج علاجات أخرى إلى وقت أطول حتى يبدأ مفعولها بالظهور.
- الهدف من ابتكار الدواء: هناك أدوية وعلاجات يتم اختراعها للوقاية من أمراض معينة ولذلك ستحتاج فرق البحث إلى متابعة هؤلاء المرضى لسنوات عديدة لرؤية النتائج من استعمال الدواء.
- عدد المرضى المطلوب: يحتاج الخبراء إلى تحديد عدد المرضى الذين تحتاجهم التجربة، وكذلك معرفة نوع المرضى الذين يحتاجهم ليقوموا بهذه التجارب بالإضافة إلى موافقة هؤلاء المرضى، وفي حال لم يكن عدد المرضى كافٍ فقد لا تكون النتائج موثوقة.
- التأثيرات الجانبية التي قد يسببها الدواء الجديد: قد تكون هناك مشكلات لا يعرفها الباحثون مع الأدوية الجديدة إلا بعد أن يجروا التجارب، ومن أهم شروط ترخيص الدواء والموافقة عليه هو عدم وجود آثار جانبية خطيرة للدواء أو ردود فعل غير متوقعة للعلاج، وقد يواجه الخبراء صعوبات في إعطاء الدواء للمرضى.
ما الاختبارات التي يخضع لها الدواء قبل طرحه في الأسواق؟
توجد عدة مراحل من الاختبارات التي يتم إجراؤها قبل الموافقة على الدواء وطرحه في الأسواق، ومن أهمها:
- تجارب الأدوية قبل السريرية: يتم اختبار الأدوية باستخدام نماذج الكمبيوتر والخلايا البشرية المزروعة في المختبر، وهذا يسمح باختبار الفعالية والتأثيرات الجانبية المحتملة، وتفشل العديد من المواد في هذا الاختبار لأنها تتلف الخلايا أو تظهر أنها لا تعمل وغير فعالة.
- التجارب على الحيوانات: يتم اختبار الأدوية التي اجتازت المرحلة الأولى على الحيوانات، ففي بريطانيا مثلًا يجب أن تخضع الأدوية الجديدة لهذه الاختبارات لكن من غير القانوني اختبار مستحضرات التجميل ومنتجات التبغ على الحيوانات. يتضمن الاختبار النموذجي إعطاء كمية معروفة من المادة للحيوانات ثم مراقبتهم بعناية بحثًا عن أي آثار جانبية.
- التجارب السريرية على البشر: في هذه التجارب يتم استخدام الأدوية التي اجتازت الاختبارات على الحيوانات في التجارب السريرية ثم يتم اختبارها على متطوعين أصحاء للتأكد من سلامتها، ويتم بعد ذلك اختبار المواد على الأشخاص المصابين بالمرض للتأكد من سلامة الدواء وفعالياته حيث تم استخدام جرعات منخفضة من الدواء في البداية، وإذا كان آمنًا تزداد الجرعة حتى يتم تحديد الجرعة المثالية من الدواء.
ما هي مراحل تجريب الدواء على البشر؟
إذا أعطت الهيئات المختصة الموافقة المبدئية على الدواء فسوف يدخل الدواء التجريبي بعد ذلك في ثلاث مراحل من التجارب السريرية على البشر:
- المرحلة الأولى: يبدأ بتجربة الدواء على حوالي 20 إلى 80 متطوعًا ممن يتمتعون بصحة جيدة لتحديد سلامة الدواء وهويته وتستغرق هذه العملية حوالي عام واحد، كما يتم التأكد من أمان الدواء واستقلابه في الجسم وإطراحه.
- المرحلة الثانية: يتم تجربة الدواء من قبل نحو 100 إلى 300 مريض متطوع لتقييم فعالية الدواء عند أولئك الذين يعانون من حالة صحية أو مرض معين وتستمر هذه المرحلة حوالي عامين، وفيها ينقسم المرضى المتشابهون إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تتناول الدواء الفعلي والمجموعة الثانية تتناول الدواء الوهمي (أدوية وهمية غير فعالة) أو أي دواء آخر فعال لتحديد ما إذا كان الدواء له تأثير حقيقي ثم تتم مراجعة سلامة الدواء وآثاره الجانبية مقارنة بالدواء الوهمي.
- المرحلة الثالثة: عادة ما تتم مراقبة عدة آلاف من المرضى في العيادات والمستشفيات لتحديد الفعالية بعناية وتحديد المزيد من الآثار الجانبية، حيث يتم تقييم أنواع مختلفة من المرضى. قد تنظر الشركة المصنعة في الجرعات المختلفة بالإضافة إلى الدواء التجريبي مع العلاجات الأخرى وتمتد هذه المرحلة وسطيًا حوالي ٣ سنوات.
- المرحلة الأخيرة: والتي تتمثل بموافقة الهيئة المختصة على طرح الدواء في الأسواق:
إذا توصلت الدراسات إلى أن الدواء فعال وآمن، يُقدم طلب يحتوي على كل البيانات عن الدواء (التجارب على الحيوانات والبشر ومراحل التصنيع ونشر الدواء) إلى الهيئة التي تقرر ما إذا كان هذا الدواء آمنًا وفعالًا للدرجة التي تسمح بالموافقة على تسويقه وعادة ما تستغرق هذه العملية نحو عشر سنوات.
تختلف خطوات الحصول على الموافقة باختلاف البلد الذي يتم ابتكار الدواء فيه ويحق للهيئة المختصة سحب أي دواء من الأسواق بعد تصنيعه وطرحه في الأسواق في حال ظهر دليل جديد يؤكد عدم صلاحية الدواء للاستخدام، أو في حال ظهرت آثار جانبية خطيرة مثل دواء الثاليدوميد الذي استُخدم كدواء منوم وفي علاج غثيان الصباح عند النساء الحوامل لكنه أدى في النهاية إلى حدوث عيوب خلقية عند المواليد الذين استخدمت أمهاتهم هذا الدواء لذلك تم حظر استخدامه نهائيًا لعلاج الغثيان وأصبح يستخدم لعلاج سرطان العظام تحت إشراف طبي مكثف ودقيق.
لقد حققت الخطوات السابقة نتائج هامة، فقد أصبحت الأدوية أكثر فعالية وأمانًا، ومكنت الأطباء والمرضى من استخدام هذه الأدوية وكلهم ثقة بها بسبب الاختبارات المكثفة التي خضعت لها.