الأعراض الجسدية للأمراض والاضطرابات النفسية

هل هناك أعراض جسدية ترافق الأمراض والاضطرابات النفسية؟ وما هي؟

من المعروف أن الأمراض الجسدية المتنوعة تؤثر على الحالة النفسية للمريض، ولكن الأمر ينطبق أيضًا على الصحة الجسدية التي تتأثر بصورة سلبية عند الإصابة بالاضطرابات النفسية المتنوعة. تؤكد الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية على عمق الاتصال والترابط ما بين الجسد والنفس، وتأثر كل منها بصحة الآخر، وضرورة توجيه الاهتمام لكلا الجانبين الجسدي والنفسي في علاج الاضطرابات على أنواعها. نتحدث في هذا المقال عن الأعراض الجسدية للأمراض والاضطرابات النفسية، وسبب حدوثها، وكيف يجب التعامل معها وتدبيرها.

الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية

تترافق الكثير من الاضطرابات النفسية، خاصة الاكتئاب والقلق، مع أعراض جسدية متنوعة. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تكون هذه الأعراض مُتخيلة، أو تحدث فقط في عقل المصاب. صحيح أن تأثير الاضطرابات النفسية يتركز بصورة خاصة من الدماغ، لكن وبسبب الارتباط الوثيق للدماغ مع كامل أعضاء الجسم، يمتد تأثير الاضطرابات النفسية ليصيب مختلف أعضاء الجسم. تتضمن أهم الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية:

  • التعب الجسدي والانخفاض المستمر في طاقة الجسم: يعد التعب والخمول الجسدي عرضًا شائعًا جدًا في الاضطرابات النفسية، وخاصة الاكتئاب، واضطراب الكرب التالي للصدمة. إلى جانب الأعراض الأخرى للاكتئاب من الحزن، واليأس، وفقدان الأمل، وغياب المتعة في النشاطات الترفيهية، يطغى شعور التعب والخمول الجسدي على مريض الاكتئاب، ولا ينبع هذا التعب والخمول من إرهاق جسدي حاصل، إنما يستمر التعب والخمول الجسدي رغم حصول المريض على نوم كاف، وراحة جيدة.
  • نقص القدرة على تحمل الألم: تزداد الحساسية للألم عند بعض مرضى الاضطرابات النفسية وخاصة اضطراب القلق، والاكتئاب، واضطراب الكرب التالي للصدمة. لم يستطع العلماء حتى الآن توضيح العلاقة المباشرة بين الاضطرابات النفسية وزيادة الحساسية للألم. لكن من المهم عند تشخيص الاضطرابات النفسية إعطاء الألم الذي يشعر به المريض الأهمية التي يستحقها، وعدم إهماله. أيضًا أشارت بعض البحوث إلى امتلاك الأدوية المضادة للاكتئاب فائدة في خفض حساسية مريض للألم، هذا إلى جانب تأثيرها الدوائي المطلوب.
  • الألم الظهري والتشنج العضلي: من الطبيعي أن تسبب طريقة الجلوس الخاطئة، أو التعرض للحوادث الجسدية الألم في الظهر أو التشنج في عضلات الجسم. لكن يمكن أن تسبب أيضًا الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب واضطراب القلق، ألم الظهر والتشنج العضلي، الذي يؤثر بصورة سلبية على حياة المريض ويفاقم الأعراض.
  • صداع مستمر: يعد الصداع من الآلام الجسدية شائعة الانتشار جدًا، وتسبب الكثير من مواقف الحياة وضغوط العمل الصداع المؤلم. لكن لا يقتصر الصداع على ضغوط الحياة والعمل، إنما يمكن أن تسبب الاضطرابات النفسية الصداع المزعج عند المريض، يصاب الكثير من مرضى الاكتئاب بالصداع التوتري Tension Headaches، الذي  يتميز بألم خفيف ونابض ويتركز بصورة خاصة حول حاجب العين. تخفف الأدوية المسكنة التي يمكن الحصول عليها من دون وصفة طبية ألم الصداع التوتري، بما يفاقم من احتمال تجاهلها وإهمال علاقتها مع الاكتئاب.
  • اضطرابات الرؤية: تستطيع الاضطرابات النفسية، خاصة المزمنة والشديدة أن تؤثر في القدرة البصرية عند المريض. فكثيرًا ما يعاني مرضى اضطراب القلق والاكتئاب من الغباشة، والضبابية في الرؤية.
  • ألم بطني واضطراب الأمعاء: من الشائع جدًا أن يصاب مرضى الاكتئاب بانخفاض في الشهية، وفقدان المتعة تجاه الطعام. لكن يمتد تأثير الاكتئاب على الجهاز الهضمي أكثر بكثير من الشهية تجاه الطعام. إذ أثبتت الدراسات المتتالية إلى ازدياد خطر الإصابة بالقرحة المعدية عند الإصابة باضطراب القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى معاناة المريض مع الألم المعدي المزعج، أو الإمساك، أو الغثيان، أو انتفاخ الأمعاء.

تدبير الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية

تساعد الكثير من الممارسات الصحة على تحسين الحالة النفسية للمريض، ومساعدته على تجاوز الاضطراب الذي يعانيه، إلى جانب الأدوية والدعم المعنوي من العائلة والأصدقاء. تتضمن أهم الإجراءات التي يمكن تطبيقها في تدبير الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية:

  • ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
  • تناول طعام صحي غني بالفواكه والخضار.
  • تعلم سلوكيات وأساليب تساعد في التعبير عن المشاعر الصعبة والمزعجة، بما يخفض من حالة التوتر والعصبية.
  • الإقلاع عن التدخين.

أسباب الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية

تشير الكثير من الدراسات إلى ترافق الاضطرابات النفسية والأعراض الجسدية المرافقة لها مع وجود اضطرابات مناعية، وهرمونية، والتهابية في الجسم.

يرتفع في حالات القلق والتوتر كل من هرموني الأدرينالين والكورتيزول، اللذان يعملان على تهيئة الجسم على الحركة والتصرف في مواضع القلق والتوتر وضغط العمل، وعند زوال الحالة المسببة للتوتر، ينخفض مستوى الهرمونين إلى الحالة الطبيعية. أما في اضطراب القلق، فيستمر ارتفاع مستوى هرموني الكورتيزول والأدرينالين بصورة مزمنة، ويترك هذا الارتفاع المزمن آثارًا سلبية عديدة على الجسم، تتضمن زيادة حساسية المريض تجاه الألم، وإصابته بالصداع، والتشنج العضلي، والاضطرابات المعدية والبصرية.

أيضًا أكدت الكثير من الدراسات على ترافق بعض الاضطرابات النفسية، مثل اضطراب الاكتئاب، والقلق، واضطراب ثنائي القطب، والفصام مع وجود حالة التهابية واضطراب مناعي في الجسم. لا يعني هذا أن الاضطرابات النفسية هي اضطرابات مناعية، إنما تؤثر الحالة الالتهابية العامة في الجسم على الدماغ والسلوك، بما يزيد من خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية، ويفاقم من أعراضها. إذ تترافق الكثير من الاضطرابات النفسية مع ارتفاع تركيز العوامل الالتهابية مثل عامل التنخر الورمي TNF، والإنترلوكين 6، والبروتين التفاعلي C. 

من ثم تؤثر هذه العوامل الالتهابية على الدارات العصبية والمراكز الدماغية المسؤولة عن المكافأة والنشاط والاندفاع في الدماغ، بالإضافة إلى تأثيرها الخافض للنواقل العصبية المسؤولة عن المتعة والسعادة، مثل السيروتونين والدوبامين. وتدخل الاضطرابات النفسية والالتهابية والمناعية في الجسم في حلقة سلبية، يفاقم كل منهما الآخر، بما يؤثر بصورة سلبية على الكثير من وظائف الجسم، فيؤدي ذلك إلى ظهور الأعراض الجسدية من الصداع، والألم المعدي، والتشنج العضلي.

Loading spinner
Share your love