أمراض القلب الخلقية مصطلح عام يستخدم لوصف مجموعة من العيوب الولادية التي تؤثر على العمل الطبيعي للقلب. يمكن أن تتطور تشوهات القلب الخلقية عندما يحدث أي خلل في بنية القلب السابقة، كأن تبقى أو تنشأ فتحات غير طبيعية بين الأجواف القلبية، أو أن تتضيق الصمامات القلبية ولاديًا بشكل هام، أو أن تنعكس الشرايين الكبيرة (الأبهر والرئوي) في ارتباطاتها مع البطينات المتوافقة.
المحتويات
البنية التشريحية والوظيفية للقلب
وقبل الخوض في أمراض القلب الخلقية يجب أن نذكر القارئ بشكل ووظيفة القلب، تلك المضخة الدموية التي تعمل باستمرار دون توقف وبدقة منقطعة النظير. ينقسم القلب إلى 4 أقسام رئيسية تسمى الحجرات أو الأجواف القلبية، وهي:
- الأذينة اليمنى: تجمع الدم الناتج عن عمليات استقلاب الأغذية من كافة خلايا الجسم، ويتصف هذا الدم بكونه فقيرًا بالأوكسجين (غير مؤكسج) بسبب استهلاك الخلايا لهذا الأوكسجين في عمليات الاستقلاب.
- البطين الأيمن: يأخذ الدم من الأذينة اليمنى عبر الدسام الموجود بينهما والذي يدعى بالصمام مثلث الشرف، ثم يضخ الدم غير المؤكسج إلى الرئتين لتتم تنقيته وإمداده بالأوكسجين، إذ يتصل البطين الأيمن والرئتان بالشريان الرئوي، ويسمى مدخل الشريان الرئوي الذي يتصل بالبطين الأيمن بالصمام الرئوي.
- بعد أن تتم تنقية الدم في الرئتين وتزويده بالأوكسجين يعود إلى القلب مجددًا ويتجمع في الأذينة اليسرى، حيث يعود عبر أوعية دموية خاصة تدعى الأوردة الرئوية.
- البطين الأيسر: يأخذ الدم المؤكسج من الأذينة اليسرى عبر الدسام الموجود بينهما والذي يدعى بالصمام التاجي، ثم يضخه إلى كافة أنحاء الجسم عبر الشريان الأبهر الذي يتصل بالبطين الأيسر بالصمام الأبهري.
وتجب الإشارة هنا أن الأذينتين مفصولتان عن بعضهما بحاجز يمنع اختلاط الدم بينهما، وكذلك الأمر بالنسبة للبطينين.
أشيع أنواع أمراض القلب الخلقية
هناك العديد من أنواع أمراض القلب الخلقية وقد تحدث بعض هذه الأمراض معًا في بعض الأحيان، ويمكن تصنيف هذه الأمراض من الناحية التشريحية إلى:
عيوب الحاجز القلبي بين البطينين وعيوب الحاجز القلبي بين الأذينتين:
يحدث في هذا التشوه أن تتشكل فتحة أو ثقب يمرر الدم باستمرار بشكل غير طبيعي بين البطينين أو بين الأذينتين ما يؤدي إلى امتزاج الدم المؤكسج مع الدم غير المؤكسج. يسبب هذا العيب عبئًا إضافيًا على القلب والرئتين من جهة، ويقلل من كمية الدم المؤكسج المخصص للمرور إلى خلايا الجسم الأخرى من جهة أخرى. غالبًا ما تغلق الفتحات الصغيرة من تلقاء نفسها، ولكن يجب إغلاق الفتحات الأكبر باستخدام الجراحة.
تضيق الصمامات:
كتضيق الصمام الأبهري الذي يسبب عدم مرور كمية كافية من الدم المؤكسج من البطين الأيسر إلى خلايا الجسم، ما يسبب عبئًا إضافيًا على البطين الأيسر الذي يضطر للتضخم لمعاكسة عائق التضيق، وهنا تكمن خطورة هذا التشوه لما يسببه من تضخم قلبي زائد غير طبيعي. أو تضيق الصمام الرئوي ما يسبب عدم مرور كمية كافية من الدم غير المؤكسج إلى الرئتين.
تبادل منشأ الشرايين الكبيرة:
بدل أن يخرج الشريان الرئوي من البطين الأيمن والشريان الأبهر من البطين الأيسر، يخرج الشريان الرئوي من البطين الأيسر، والشريان الأبهر من البطين الأيمن حاملًا دمًا غير محمل بالأوكسجين إلى أنحاء الجسم، وهو من التشوهات الخطيرة والقاتلة، ولكنها نادرة بنفس الوقت.
بقاء القناة الشريانية سالكة:
يعتمد الطفل عند تواجده في الرحم على الدوران الدموي لوالدته بشكل كامل، حيث يقوم بتنقية وأكسجة دمه من خلال رئتي والدته لعدم نضج رئتيه بعد، وينتقل الدم ما بين دم الجنين ورئتي الأم عبر وعاء دموي يسمى القناة الشريانية، وتنغلق هذه القناة بعد الولادة ونضج الرئتين. القناة الشريانية السالكة تشوه خلقي تبقى فيه القناة الشريانية مفتوحة مسببة ضخ المزيد من الدم إلى الرئتين، ما يجبر القلب والرئتين على العمل بجهد أكبر، ويقلل من كمية الدم المار إلى خلايا الجسم الأخرى.
تشوهات أخرى:
مثل تشوهات الأوردة الرئوية: تتصل الأوردة الرئوية بالجانب الأيمن من القلب بدل اتصالها بالأذينة اليسرى، والجذع الشرياني: وهو تشوه نادر يحدث فيه أن يندمج الشريانان الأبهري والرئوي في شريان واحد بدم ممتزج.
تشوهات معقدة ومركبة
- تشوه إبشتاين: تشوه إبشتاين هو شكل نادر من أمراض القلب الخلقية، يحدث فيه تطور ناقص للجانب الأيمن من القلب وخاصة البطين الأيمن، ما يعيق عملية تنقية الدم ما بين القلب والرئتين، وغالبًا ما يترافق مع عيب الحاجز بين الأذينتين.
- البطين المفرد: عيب البطين الوحيد هو التشوه الذي يتطور فيه بطين واحد فقط بشكل صحيح. بدون علاج، يمكن أن تكون هذه التشوهات قاتلة في غضون أسابيع قليلة من الولادة.
- رباعي فالو: رباعي فالو هي مزيج نادر من عدة عيوب، وتشمل:
- فتحة بين البطينين.
- تضيق الصمام الرئوي.
- تضخم في البطين الأيمن.
- شذوذ في منشأ الشريان الأبهر، ما يؤدي لاختلاط الدم المؤكسج وغير المؤكسج.
أسباب تشوهات القلب الخلقية
لم يتم تحديد سبب واضح لأمراض القلب الخلقية، ومع ذلك، عُرفت بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بهذه التشوهات، ومنها:
- الأسباب الوراثية أو المرتبطة بالعيوب الوراثية الخلقية، ومنها متلازمة داون، حيث يعاني حوالي نصف الأطفال المصابين بمتلازمة داون من أمراض القلب الخلقية.
- إصابة الأم أثناء الحمل ببعض الأمراض الإنتانية كالحصبة الألمانية والإنفلونزا.
- تناول الأم الحامل لبعض أنواع الأدوية، بما في ذلك خافضات الشحوم من نوع الستاتين وبعض أدوية حب الشباب الموضعية مثل الإيزوتريتنون والريتينويدات، وبعض الأدوية المضادة للتشنج، أما بالنسبة لمسكنات الألم فيعد الباراسيتامول بديلًا أكثر أمانًا للإيبوبروفين أثناء الحمل. من الأفضل تجنب تناول أي أدوية أثناء الحمل، خاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
- داء السكري، ولا ينطبق ذلك على السكري الحملي الذي يمكن أن يحدث أثناء الحمل وعادة ما يختفي بمجرد ولادة الطفل.
- التدخين أو شرب الكحول أثناء الحمل، وغيرها من العوامل البيئية والوراثية.
علامات وأعراض تشوهات القلب الخلقية
يمكن أن يكون لأمراض القلب الخلقية عدد من الأعراض والعلامات، خاصة عند الرضع والأطفال، بما في ذلك:
- ضربات قلب سريعة، وتنفس سريع.
- تورم في الساقين أو البطن أو حول العينين.
- التعب الشديد والإنهاك.
- زرقة الجلد والأغشية المخاطية.
- التعب أثناء الرضاعة.
- الإغماء أثناء الجهود أو الرياضة.
- تورم في اليدين أو الكاحلين أو القدمين.
يمكن ملاحظة هذه الأعراض في بعض الأحيان بعد الولادة بفترة وجيزة، وعلى الرغم من أن العيوب الخفيفة قد لا تسبب أي مشاكل حتى وقت لاحق من الحياة حيث لا تظهر الأعراض في بعض الأحيان حتى سنوات المراهقة أو بداية البلوغ. أما في الحالات الأكثر شدة، قد تظهر هذه المشاكل بعد الولادة بقليل.
مضاعفات تشوهات القلب الخلقية
يمكن للأطفال والبالغين المصابين بأمراض القلب الخلقية أن يطوروا مجموعة من المشكلات الأخرى على المدى الطويل، مثل:
مشاكل النمو، إذ يعاني العديد من الأطفال المصابين بأمراض القلب الخلقية من تأخر في نموهم، فقد يستغرقون وقتًا أطول لبدء المشي أو التحدث، وقد يكون لديهم أيضًا مشاكل مدى الحياة في التنسيق الحركي. يعاني بعض الأطفال المصابين بأمراض القلب الخلقية أيضًا من صعوبات في التعلم يُعتقد أن سببها هو نقص الإمداد بالأكسجين خلال الحياة المبكرة ما يؤثر على نمو الدماغ. يمكن أن تشمل صعوبات التعلم ضعف الذاكرة، مشاكل التعبير عن أنفسهم باستخدام اللغة، مشاكل في فهم لغة الآخرين، انخفاض مدى الانتباه وصعوبة التركيز، قدرات التخطيط السيئة، ضعف التحكم في الانفعالات، ويمكن أن تؤدي هذه إلى مشاكل في التفاعل الاجتماعي والسلوك في وقت لاحق من الحياة. التهابات الجهاز التنفسي المتكررة كالتهابات الجيوب الأنفية أو الحلق أو الشعب الهوائية أو الرئتين، وقد يعانون من مشاكل قلبية مثل التهاب الشغاف، وارتفاع ضغط الدم الرئوي، وقصور القلب.
تشخيص وعلاج أمراض القلب الخلقية
يتم تشخيص العديد من حالات تشوهات القلب الخلقية قبل ولادة الطفل أثناء الفحص بالموجات فوق الصوتية أثناء الحمل، حيث يتم إجراء الموجات فوق الصوتية المتخصصة والتي تسمى تخطيط صدى القلب للجنين في حوالي 18 إلى 22 أسبوعًا من الحمل لمحاولة تأكيد التشخيص الدقيق، وقد يتم إجراء ذلك أيضًا إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بأمراض القلب الخلقية أو حيث يوجد خطر متزايد، ومع ذلك، ليس من الممكن دائمًا اكتشاف عيوب القلب، وخاصة العيوب الخفيفة. من الممكن أحيانًا تشخيص إصابة طفل بمرض قلبي خلقي بعد الولادة بفترة وجيزة في حال وجود بعض العلامات أو الأعراض المميزة لأمراض القلب الخلقية، مثل الزرقة والتعب الدائم، ومع ذلك، فإن بعض العيوب لا تسبب أي أعراض ملحوظة لعدة أشهر أو حتى سنوات.
يعتمد علاج أمراض القلب الخلقية عادةً على العيب الذي يعاني منه الطفل، غالبًا لا تحتاج العيوب الخفيفة إلى العلاج وتترك للمراقبة، وقد تشفى من تلقاء نفسها (كتأخر انغلاق بعض الفتحات غير الطبيعية في القلب)، أو تحتاج إلى العمل الجراحي لإغلاقها أو إصلاحها، ويبقى العلاج الدوائي موجودًا لتخفيف الأعراض والعلامات الهامة.
غالبًا ما يحتاج الأشخاص المصابون بأمراض القلب الخلقية إلى العلاج طوال حياتهم، وبالتالي يحتاجون إلى مراجعة متخصصة أثناء الطفولة والبلوغ. وذلك لأن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل قلبية معقدة يمكن أن تتطور لديهم مشاكل أخرى في نظم القلب أو الصمامات بمرور الوقت. مع ذلك، لا تعتبر معظم العمليات الجراحية والإجراءات التدخلية علاجًا، فقد تبقى قدرة الشخص المصاب على ممارسة الرياضة محدودة وقد يحتاج إلى اتخاذ خطوات إضافية لحماية نفسه من الإصابة بالعدوى ببعض الأمراض.
خاتمة وتوصيات هامة
قد يكون إخبارك بأنك أو طفلك مصاب بحالة من المحتمل أن تكون معقدة ومستمرة مدى الحياة مثل أمراض القلب الخلقية تجربة مربكة ومخيفة، حتى لو كانت الحالة خفيفة نسبيًا، ومن الطبيعي أن ترغب في معرفة أكبر قدر ممكن عن أمراض القلب الخلقية، بما في ذلك العلاجات المتاحة وكيف يمكن أن تؤثر على حياة المصاب، ونظرًا لأنه لا يعرف سوى القليل عن أسباب أمراض القلب الخلقية، لا توجد طريقة مضمونة لتجنب إنجاب طفل مصاب بهذه الحالة. ومع ذلك، يمكن أن تساعد النصائح التالية في تقليل المخاطر:
- التأكد من تطعيم الحامل ضد الحصبة الألمانية والأنفلونزا.
- تجنب شرب الكحول، أو تناول الأدوية بدون استشارة الطبيب أثناء الحمل.
- ضبط داء السكري في حال كانت الحامل مصابة به.
- اتباع الإرشادات الطبية بدقة، واستشارة الطبيب المختص في حال ظهور أي أعراض مهمة.