نعاني في عصرنا الحالي من وباء السهر وحرمان النوم، هذا ما توصلت إليه الكثير من الدراسات العلمية الحديثة التي انصب جمُ اهتمامها على البحث في أهمية النوم وضرورته لصحة الإنسان.  

بإمكان الإنسان الآن بسهولة، خاصة مع وجود الإنترنت ومختلف الأجهزة الإلكترونية الذكية والأضواء الصناعية، البقاء يقظًا في عتمة الليل والسهر، وقضاء الوقت في نشاط ممتع أو في إنهاء عمل مهم.

 رغم الإنجاز الذي يحققه الإنسان في ليله، يأكل هذا التقدم والنجاح من صحته الجسدية والنفسية كلما طال سهره وقل نومه. نعدد في هذا المقال فوائد النوم التي يجب عليك الانتباه لها، لتتمتع بصحة جيدة وأداء ممتاز في العمل.

ما أهم فوائد وإيجابيات النوم؟

يتعدى تأثير النوم على الجسد مجرد الشعور بالنشاط والطاقة بعد نوم عميق، يصف العلم الحديث النوم بكونه عملية حيوية، مثل: عملية الهضم والتنفس والنمو، يمر بها الجسد كاملًا من أصغر أعضائه وأبسطها حتى أكثرها تعقيدًا، وبمراحل متتالية ومتدرجة يملك كل منها هدفًا ونتيجة. تشمل هذه العملية وآثارها:

النوم والذاكرة

عندما نغط في النوم، لا ينام الدماغ وينخفض نشاطه مثلما يبدو لنا الشخص النائم، إنما يؤكد العلماء على أن نشاط الدماغ في أثناء النوم يتغير بصورة مستمرة بين الارتفاع والانخفاض، تبعًا لمرحلة النوم التي يمر بها.

 يعمل الدماغ في أثناء النوم على ترتيب وحفظ مختلف المعلومات والتجارب التي اكتسبها ضمن اليوم، ونقلها من ذاكرته قصيرة الأمد إلى الأخرى طويلة الأمد، لهذا من المهم على الطالب في ليلة الامتحان، أن يحظى بقدر كاف من النوم حتى يتمكن من تذكر المعلومات التي اجتهد في تعلمها بدقة وسرعة.

النوم والحالة العاطفية

يعالج الدماغ في أثناء نومه مختلف المشاعر والعواطف التي أحس بها ضمن اليوم، ويخفف من شدتها ويجهز الجسم ليتأقلم معها، خاصة مشاعر الحزن والجرح والألم؛ لهذا عندما تنام منزعجًا أو حزينًا أو خائفًا،  ستستيقظ بعد ساعات من النوم العميق، بصفاء عقلي أكبر وتفكير منطقي أقوى وحالة عاطفية تحت السيطرة. 

تتعطل هذه العملية عند الأشخاص الذين اختبروا تجربة صادمة قوية في حياتهم، تركت في داخلهم شعورًا عميقًا بالانكسار والألم والحزن؛ وعندما يذهب مثل هؤلاء الأشخاص إلى النوم، يبدأ الدماغ بمعالجة تفاصيل هذه الحادثة الصادمة، ولكن بسبب شدة الألم والأذى ومشاعر الخوف والجرح التي تحيط بها، يستيقظ هؤلاء الأشخاص من نومهم خائفين ومفزوعين، يعانون من ألمهم الذي لم يتمكن دماغهم من معالجته.

النوم وصحة القلب

ينخفض معدل ضربات القلب إلى جانب الضغط الدموي عندما يخلد الإنسان إلى النوم، مما يساهم في منح القلب والأوعية الدموية فرصة للاسترخاء والراحة في الليل. 

في المقابل، يستمر الضغط الدموي مرتفعًا من دون انخفاض عندما يعاني الإنسان من حرمان النوم، ويزيد هذا الأمر بدوره من خطر الأمراض القلبية الوعائية والتصلب العصيدي في الأوعية الدموية، التي يعتبر ارتفاع الضغط الدموي المزمن من أكثر عوامل الخطورة لها. [1]

النوم وصحة الجسم

يساعد النوم على استعادة الجسم لحيويته، وإعادة بناء نفسه وتنظيم معدل استقلابه. يتم ذلك عبر مجموعة من الهرمونات، مثل هرمون النمو، الذي يفرز الجسم نحو 70% من كميته في الساعات الأولى من النوم. يتمتع هرمون النمو بأهمية قصوى بالنسبة للأطفال الذين ما زالوا في طور النمو، وحتى بالنسبة للبالغين، حيث يساعد على إعادة بناء الجسم لنفسه، وشفاء الجروح والإصابات الجسدية. [2]

النوم ومستويات سكر الدم

يساعد النمو على زيادة حساسية الخلايا في الجسم لهرمون الأنسولين، ثم زيادة معدل قبطها للسكر من الدم، والحفاظ على مستواه في المجال الصحي. 

تسبب قلة النوم على الجانب الآخر، شهوة لدى الشخص لتناول المأكولات الغنية بالسكر، بالإضافة إلى اضطراب عملية قبط الخلايا لسكر الدم، ثم تزداد مقاومة الخلايا لهرمون الأنسولين كلما زادت الفترة التي يعاني فيها الشخص من حرمان النمو، ويزداد خطر إصابته بداء السكري من النمط الثاني. [3]

النوم والتوتر

يسمى هرمون الكورتيزول بهرمون التوتر، لأن الجسم يفرزه في المواقف المثيرة للتوتر والقلق، والتي تتطلب الجهد والنشاط والانتباه منه.

 ينخفض إفراز الجسم من هرمون الكورتيزول في ساعات اليوم المتأخرة، قبل الذهاب إلى النوم، حيث تعيق حالة التوتر والقلق من مراحل النوم وتخفض من كفاءته وجودته. 

في المقابل، يزداد توتر الجسم وإفرازه لهرمون الكورتيزول ضمن اليوم عند الشخص الذي يعاني من حرمان النوم، ويترافق هذا مع انخفاض عام في التركيز، وإحساس دائم بالتوتر والعصبية، وإرهاق إضافي لجسم مرهق.

 أيضًا يرفع هرمون التوتر من سكر الدم، ويزيد من استهلاك الجسم للسكر، فتزيد حالة التوتر المستمر والمترافقة مع حرمان النوم من خطر إصابة الجسم بالأمراض خاصة داء السكري وأمراض القلب. 

اقرأ أيضًا: عشر طرق للوقاية من ارتفاع التوتر الشرياني

النوم وجهاز المناعة

يجتمع النوم وجهاز المناعة في علاقة قوية يؤثر كل منهما في الآخر، نشعر جميعًا عندما نصاب بالزكام والأمراض المعدية المختلفة بالتعب والنعاس، والرغبة بالراحة والنوم، يحدث هذا بسبب محاربة جهاز المناعة للعوامل الممرضة والدفاع عن الجسم، وما يتركه من تأثيرات أوضحها الرغبة بالنوم. 

من جهة أخرى، أثبتت البحوث العلمية أن جهاز المناعة في الجسم يرتفع نشاطه أثناء النوم، وتشير الأبحاث إلى أن هذا الأمر يكون بمعدل أعلى لدى الأشخاص المرضى أو الجرحى، حيث يعمل جهاز المناعة على تنظيف مكان الأذية ومساعدة الخلايا والأنسجة على التجدد، وحتى بالنسبة للأشخاص الأصحاء، تساعد حالة النشاط المناعي في أثناء النوم على تقوية أدواته وذاكرته تجاه العوامل الممرضة، والتعرف عليها مبكرًا في المستقبل قبل أن تسبب المرض للجسم. 

بالإضافة إلى أن النوم يساعد على ضبط وتنظيم شدة الاستجابة المناعية في الجسم، ويخفف من حدوث الاستجابات التحسسية المفرطة وأمراض المناعة الذاتية. [4]

في النهاية، يحتاج الشخص البالغ إلى نحو 7 إلى 8 ساعات من النوم يوميًا، حتى يحصد جميع فوائده النوم، ويُتم عملية النوم بمراحلها المختلفة. لا تقلل من أهمية النوم لصحتك الجسدية والعقلية، وابتعد عن استعمال الأجهزة الإلكترونية في نهاية اليوم قبل الذهاب إلى النوم، حتى تبقى بصحة جيدة ونشاط تام.

اقرأ أيضًا: لماذا تزايدت النوبات القلبية عند الشباب؟ التشخيص المبكر وطرق الوقاية

المراجع 

[1] Eight Health Benefits of Sleep, Jay Summer, www.sleepfoundation.org,  retrieved in 24/2/2023

[2] Physiology of growth hormone secretion during sleep, E Van Cauter, pubmed.ncbi.nlm.nih.gov, retrieved in 25/2/2023

[3] Blame your sugar cravings on lack of sleep, science says, Hannah Sparks, nypost.com, retrieved in 25/2/2023

[4] How Sleep Affects Immunity, Eric Suni, www.sleepfoundation.org, retrieved in 26/2/2023

Loading spinner
Share your love